كلمة التحرير
بقلم رئيس التحرير
صفوت الشوادفي
شهر رمضان … أحداث وتاريخ
الحمد لله … والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد :
فقد حل بنا شهر كريم ، فرض الله علينا صيامه ، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه .
ويتميز هذا الشهر عما سواه بالحرص من الجميع على الإقبال على الله ؛ الطائعين والعاصين على سواء !!
ويختص هذا الشهر بأحداث عظيمة وقعت فيه تحتاج من كل مسلم إلى تذكر وتدبر وتفكر لينتفع بمواضع العبرة ، ويجني بها الثمرة !
· فمنها .. بل أهمها على الإطلاق بداية نزول الوحي الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء ؛ وقد جلس في خلوته يتعبد ، فنزل عليه جبريل عليه السلام بأول كلمة قرآنية ، فكانت : ( اقرأ ) ، وهي دعوة إلى العلم الذي يصل العبد بربه وخالقه ، ويدرك به الخشية : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [ فاطر : 28] ، ويرفع منزلة صاحبه ودرجته : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [ الزمر : 9] ؟ والجواب قطعًا لا يستوون !
وفي بدء نزول القرآن في رمضان على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو في الغار يتعبد – تنبيه لطيف على أن رمضان هو شهر القرآن ، وأنه شهر العبادة الخاصة ، وأنه شهر الانقطاع إلى الله متمثلاً في الاعتكاف ، وقد اختاره الله لذلك من بين سائر الشهور مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقطع إلى العبادة في غار حراء في غيره من الشهور ، فاختيار هذا الشهر علامة على فضله وارتفاع درجته دون غيره .
· ومن الأحداث التي وقعت في رمضان ( غزوة بدر الكبرى ) وذلك في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة وكان في هذه الغزوة المباركة أول انتصار حاسم للإسلام على الكفر ، وقد ظهر فيها بوضوح مدد الله وتوفيقه لأوليائه الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، كما قال الله عز وجل : ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) [ الأنفال : 17] .
ولما أخذ المؤمنون بأسباب النصر من صدق الإيمان وحسن التوكل على الله واليقين في وعده : ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ) [ محمد : 7] ، والإخلاص وسلامة القلب وإعداد العدة والصبر عند اللقاء ، أقوال : لما أخذ المجاهدون بهذا كله أنزل الله ملائكته إلى ميدان القتال ، ومن يقوى على مواجهة الملائكة !!
وفي ذلك يقول الله عز وجل : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) [ الأنفال : 12] .
ولن ينتصر المسلمون على أعدائهم إلا إذا انتصروا على أنفسهم وكبحوا جماحها ، وشهر رمضان هو خير معين بعد الله للانتصار على النفس الذي هو طريق النصر على الأعداء !!
ولذلك سمى بعض العلماء جهاد النفس ( الجهاد الأكبر ) ! تنبيهًا على هذا المعنى الجليل ؛ ولم يصح فيه حديث .
· وفي شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة فرضت زكاة الفطر التي هي طهرة للصائم وطعمة للمساكين ، ومن لطائف أحكامها أنها تجب على من يملك قوت يوم وليلة ؛ وهذا نصابها !
وهو ميسور لكل فقير ، وهذا يعني أنها تجب على الفقراء ، فلمن يعطيها الفقير ؟ يعطيها لفقير آخر ! وهو لا يخرج إلا هذه الزكاة فيعتاد على العطاء والجود ، وإن كان فقيرًا ، ويخرج بها الفقير من بيته ليلة العيد قاصدًا بيت فقير آخر ، فيليقاه أخوه الفقير ، وقد حمل كل منهما زكاته لصاحبه !! فيتبادلان الزكاة ! إنها درس عملي في العطاء والجود والكرم والسخاء .
· وفي السنة الخامسة من الهجرة في رمضان كان الاستعداد لغزوة الخندق أو ( الأحزاب ) التي انتصر فيها المسلمون بفضل الله ورحمته بغير قتال ولا معركة سوى مبارزات ومناوشات محدودة : ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) [ الأحزاب : 25] .
· وفي شهر رمضان كان الفتح الأكبر ( فتح مكة ) ، وكان ذلك في الحادي والعشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ، وكان هذا الفتح ثمرة جهاد طويل بالسيف واللسان لسنوات طويلة قد تحلى فيها المؤمنون الصادقون بالصبر واليقين .
ولا يتسع المقام هنا لتفصيل هذا الحدث العظيم ، لكن ينبغي على كل صائم وصائمة أن يرجع إلى كتب السنة والسير ليقرأ تاريخ فتح مكة وما وقع فيه من مواقف لينتفع بذلك انتفاعًا عظميًا يعجز القلم عن وصفه ، واللسان عن بيانه .
· وفي شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة تحطمت بعد فتح مكة رموز الشرك ، وتهاوت الأصنام التي عبدها الناس من دون


