الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

سورة الذاريات (الحلقة الأولى)

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب التفسير
سـورة الذاريات
بقلم الدكتور / عبد العظيم بدوي
الحلقة الأولى

{ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا @ فَالْحَامِلاَتِ وِقْرًا @ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا @ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا @ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ @ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ @ ‏وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ @ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ @ يُؤْفَكُ عَنْهُ منْ أُفِكَ @ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ @ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ @ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ @ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ @ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } [ الذاريات : 1- 14 ] . سورة (( الذاريات )) سورة مكية ، شأنها شأن السور المكية في بيان أصول الدين ، وترسيخ قواعد الإيمان ، بيَّن اللَّه تعالى في هذه السورة الغاية من خَلْق الخلق ، فقال : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ، وذكر دلائل استحقاق العبادة دون غيره ، فقال : { وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ @ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 20، 21 ] ، { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ @ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ @ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الذاريات : 47- 49 ] ، وذكر جزاء من قام بعبادته وجزاء من استنكف واستكبر عنها ، فقال عن الثاني : { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ @ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } [ الذاريات : 13، 14 ] ، وقال عن الأول : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ @ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } [ الذاريات : 15، 16 ] ، وهذا وَعْدٌ وَعَدَهم اللَّه إياه ، وأقسم على صدقه ووقوعه : { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا @ فَالْحَامِلاَتِ وِقْرًا @ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا @ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا @ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ @ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } .
ولما كان الرزق من أكبر الشواغل عن العبادة عند الكثيرين ، قال تعالى عقب قوله : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ } قال : { مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ @ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذاريات : 56، 57 ] ، ثم أقسم في أثناء السورة أن الرزق حقّ ، فقال : { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ @ فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [ الذاريات : 22، 23 ] .
وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنذارًا لمن كفر به ، ذكر اللَّه تعالى قصص بعض النبيين : إبراهيم ، وموسى ، وهود ، وصالح ، ونوح ، ليَصْبر النبي صلى الله عليه وسلم كما صبر إخوانه ، وليذكّر أولو الألباب من المشركين ، فيرجعوا عن تكذيب نبيهم ؛ خشية أن يصيبهم ما أصاب هؤلاء
الأقوام من قبلهم ، وإلا : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ @ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ } [ الذاريات : 59 ] .
تفسير الآيات :
{ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا @ فَالْحَامِلاَتِ وِقْرًا @ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا @ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا } : الذاريات هي الرياح ، تذرو التراب والرمال وتثيرهما وتحركهما ، كما قال تعالى : { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا } [ الكهف : 45 ] ، { والحاملات وقرًا } : السحب المثقلة بالماء ، { والجاريات } : جمع جارية ، وهي السفينة ، قال تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ } [ الحاقة : 11 ] ، والمراد سفينة نوح u ، { فالجاريات يسرًا } : السفن تجري في البحار بيسر وسهولة ، بلطف اللَّه ورحمته ، كما قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ @ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [ الشورى : 32، 33 ] ، وقال تعالى : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ @ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ @ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ @ إِلاَ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } [ يس : 41- 44 ] .
{ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا } الملائكة تدبر الأمور وتقسمها بأمر اللَّه ، لا من عند أن

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا