رسالة إلى قراء القرآن في المآتم وسهرات رمضان
بقلم / السيد محمد مزيد
هذه رسالة أهديها إلى كل قارئ لكتاب الله ، فهو أهم كتاب وأعظم دستور ، الكتاب الذي أنزله الله هداية لعباده وسبيلاً لسعادة الخلق ، فتركه أكثرهم نسيًا منسيًا ، وجعلوه وراءهم ظهريًا ، واستغله آخرون فجعلوه مجال تكسب ومحل استغلال ، حتى أصبح القرآن مقارنًا للموت والقبور ، حيث لا صيانة ولا عظة ولا اعتبار ، فنجد الناس في المآتم والاحتفالات وسهرات رمضان مشغولين عن القارئ بالحديث والاستقبال والوداع والأحاديث المملة ، مخالفين قول الله تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ) [ الأعراف : 204] .
يا معاشر القراء : قال الله تعالى في كتابه الكريم مخبرًا بأن كل نفس مرهونة بكسبها : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [ المدثر : 38] ، ونبأنا الحق سبحانه أن المرء مرهون بعمله وكسبه ، فقال : ( كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) [ الطور : 21] ، وبين عز وجل أن كل نفس تحمل وزرها ، وأن المرء ليس له من الدنيا إلا ما قدمت يداه ، ومسئول عنه عمله ، وله جزاء ذلك ، فقال : ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى(33)وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى(34)أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى(35)أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى(36)وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى(37)أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(38)وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى(39)وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى(40)ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ) [ النجم : 33 : 41] .
هذا شيء يسير من كثير من آيات القرآن الكريم توحي بأن الإنسان ليس له في آخرته إلا ما قدمت يداه وما كسبه في دنياه ، وعلى هذا الطريق سار سلفنا الصالح ، رضوان الله عليهم ، ولكن ماذا حدث ؟
اتبعنا سنن من قبلنا شبرًا بشبر ، وذراعًا بذراع ، حتى دخلنا جحر الضب الخرب ، الذي أخبرنا به رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه) . قالوا : اليهود والنصارى يا رسول الله ؟ قال : ( فمن؟) .
قديمًا كان الأحبار والرهبان والقساوسة والكهان يزعمون أنهم خزائن الرحمة ، وأنهم حُجَّاب على أبواب الجنة ، مما حدا بكثير من أهل الكتاب لشراء صكوك الغفران من أمناء الجنة ، وبائعي صكوك الغفران من الأحبار والرهبان والقساوسة والرهبان والكرادلة ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، مرت الأيام وانقضت الأعوام ، فصرنا نشتري الرحمة والمغفرة والرضوان منكم يا قراء القرآن .
يا معاشر القراء : هل تجدون في كتاب ربكم ، أو في سنة نبيكم دليلاً واضحًا وصريحًا على أن قراءة القرآن تصل للموتى ؟
هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ القرآن أو قرأ سورة منه ووهب ثوابها للأموات ؟
هل تجدون في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من قرأ آيات من القرآن وطلب ثمنها دراهم ودنانير ؟
هل تجدون في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح أنه صنع سهرات رمضانية ؟
هل تجدون في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح صدق ما تدعون من وصول ثواب ما تقرءون إلى موتانا الميامين ؟
لو كان القرآن يصل إلى الموتى لقرأه الرسول الأمين على روح خديجة أم المؤمنين ، فقد متن كرائم الرسول رقية وأم كلثوم وزينب فما استأجر لهن قارئًا ، ولا أقام لهن مأتمًا ، أو أربعين ، أو سنوية .
لم ترو لنا كتب التاريخ ، ولا كتب السيرة ، ولا كتب السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحيا ذكرى أربعين ، أو قرأ لهن ختمة ، أو صنع لهن عتاقة ، أو استأجر قارئًا .
يا معاشر القراء : إليكم مذاهب أئمة الدين ؛ لكي تروا ما تفعلونه للأميين ، هل هو ابتداع ، أم من الدين ؟
أولاً : مذهب أبي حنيفة ، رحمه الله :
القراءة عند القبور مكروهة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد ، رحمهم الله .
ثانيًا : مذهب الشافعي ، رحمه الله :
استدل الإمام الشافعي على عدم وصول ثواب القراءة بقوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) ، وبحديث : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله) ، وقال الإمام النووي ، رحمه الله ، في شرح هذا الحديث : أما قراءة القرآن وجعل ثوابه للميت والصلاة ونحوها ، فذهب الشافعي والجمهور أنها لا تلحق الميت .
ثالثًا : مذهب المالكية :
القراءة عند المقابر بدعة ، وليست من السنة ، وجاء في (الشرح الصغير) للشيخ الدردير : وكره قراءة شيء من القرآن عند الموت وبعده على القبور ؛ لأنه ليس من عمل السلف ، إنما كان من شأنهم الدعاء بالمغفرة والرحمة والاتعاظ .
رابعًا : مذهب الحنابلة :
قال الإمام أحمد ، رحمه الله ، لمن رآه يقرأ على القبور : يا هذا ، إن قراءة القرآن على القبر بدعة ، وقال : القراءة على الميت بعد موته بدعة ، و


