ديانة الصوفية
بقلم: عبد الحميد خضري السيد
الحلقة الخامسة
عقيدة الصوفية في اللَّه تعالى عند ابن عربي
في الحلقة الماضية تحدثنا في مقدمة هذا البحث عن عقيدة الصوفية في اللَّه تعالى كما يراها محيي الدين بن عربي من واقع كتابه ( فصوص الحكم ).
وفي هذه الحلقة يواصل الكاتب عرضه لبعض فقرات هذا الكتاب حتى يقف القارئ على حقيقة معتقدات الصوفية من واقع كتبهم المعترف بها عندهم.
رئيس التحرير
والصوفية لا تعترف بالدعوة إلى اللَّه تعالى، بل تعتبرها مكرا بالمدعوين لأنه لا فرق- عند الصوفية- بين اللَّه تعالى والمخلوقات، فكلاهما وجهان لحقيقة واحدة، فكيف يدعى الخلق إلى اللَّه تعالى وهو متجسد فيهم؟ قال ابن عربي في قول اللَّه تعالى: {ومكروا مكرًا كبارًا} في صفحة 71: ( إن الدعوة إلى اللَّه تعالى مكر بالمدعو، لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية ).
وقد فسر الفاشانى هذه العبارة في صفحة 54 بقوله: ( معناه أن الدعوة إلى اللَّه دعوة منه إليه، لأن اللَّه عين الداعي والمدعو لكونه عين كل شيء ).
وشرح الدكتور أبو العلا عفيفى العبارة المذكورة في صفحة 39 بقوله: ( إن المدعو مهما كانت عقيدته ومهما كان معبوده لا يعبد في الحقيقة إلا اللَّه، لأنه لا يعبد إلا مجلي من مجالي الحق في الوجود، فدعوته إلى اللَّه مكر به، لأنها تحمله على الاعتقاد بأنه يعبد شيئًا آخر سوى اللَّه، وما في الوجود سوى اللَّه ).
والصوفية ترى أن قوم نوح لم يخطئوا حين عارضوا نوحًا عليه السلام، بل أصابوا في عبادتهم للأصنام، ولو كانوا قد استجابوا لنوح عليه السلام لوقعوا في الخطأ وابتعدوا عن اللَّه تعالى بقدر ما تركوا من الأصنام، لأن لله تعالى في كل معبود وجهًا يدركه العارفون ويخفى على الجاهلين، قال ابن عربي في صفحة 72: ( وقالوا في مكرهم {لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرا} فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجهًا يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله ).
والصوفية تجيز عبادة الأحجار والأشجار وترى أن الجهلة يقولون عن الأصنام: إنها تقربنا إلى اللَّه زلفى. أما الراسخون في العلم من المتصوفة فيقولون: إن الأصنام ما هي إلا حقيقة الذات الإلهية تجسدت في هذه الأحجار والأشجار، ولذلك ينبغي تعظيمها، لأن اللَّه تعالى- عندهم- عين جميع الموجودات، قال ابن عربي في صفحة 72: ( العالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير اللَّه في كل معبود فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره، ولهذا قال: قل سموهم. فلو سموهم لقالوا إلها، ما كانوا يقولون اللَّه ولا الإله، والأعلى ما تخيل، بل قال: هذا مجلى إلهى ينبغى تعظيمه فلا يقتصر، فالأدنى صاحب التخيل يقول: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى. والأعلى يقول: إنما إلهكم اللَّه واحد فله أسلموا حيث ظهر ).
والصوفية تؤمن بأن الضال أفضل من المهتدى، فالضال الحائر الذي لا يعرف الحق ولا يريد أن يعرفه هو الذي وصل إلى الغاية المطلوبة عندهم، أما من يتبع الصراط المستقيم فهو- في نظرهم- منحرف عن الغاية- لأنه يطلب ما هو فيه، فهو صاحب خيال، مطلوبه معه وهو يبحث عنها في الخارج، قال ابن عربي في صفحة 73: ( الحائر له المرور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه، وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود، طالب ما هو فيه، صاحب خيال، إليه غايته، فله من وإلى وما بينهما ) وقد شرح بالى أفندى- أحد شراح الفصوص- العبارة الأخيرة بقوله: ( أي على ابتداء ومسافة، فابتداؤه من نفسه، وانتهاؤه إلى خياله، ومسافته ما بينهما، فلا يصل إلى مطلوبه بهذا الطريق، وهو طريق العابدين من أهل الظاهر )ثم يقول ابن عربي مؤيدًا أفضلية الضال على المهتدى في صفحة 73: ( وصاحب الحركة الدورية لا بدء به فيلزمه [من] ولا غاية له فتحكم عليه [إلى] فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم ).
عبد الحميد خضري السيد
( يتبع )
4


