الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

ديانة الصوفية

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

ديانة الصوفية
بقلم: عبد الحميد خضرى السيد

الحلقة الرابعة
عقيدة الصوفية في اللَّه تعالى عند ابن عربي

في الحلقتين السابقتين عرض الكاتب عقيدة الصوفية عن اللَّه تعالى كما جاءت في كتاب (الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل) لعبد الكريم الجيلى، وبين إثباتهم لعقيدة وحدة الوجود، مما وصل بهم إلى انحراف فكري يؤدي إلى الكفر.
وفي هذه الحلقة ينتقل بنا مقدم هذا البحث إلى كتاب آخر لمؤلف آخر: هو كتاب (فصوص الحكم) لمؤلفه محيي الدين ابن عربي، وذلك حتى يقف القارئ على حقيقة معتقدات الصوفية من واقع كتبهم المعترف بها عندهم.
رئيس التحرير

شرح ابن عربي عقيدة الصوفية في اللَّه تعالى المسماة بنظرية وحدة الوجود في العديد من مؤلفاته، وبخاصة في كتاب (فصوص الحكم) الذي وضعه خصيصًا لشرح دقائق هذه النظرية بالتفصيل.
وإذا كنا قد تناولنا بعض عبارات الجيلي بالشرح والإيضاح عند عرضنا لآرائه، فإننا لن نتجشم مشقة توضيح آراء ابن عربي، لا لسهولة عباراته ووضوح معانيه، فأسلوبه في غاية الغموض والإبهام، وهو يلجأ كثيرًا إلى اللف والدوران ولا يبدى رأيه بصراحة، بل يكثر من إيراد الألفاظ التي لا يستلزمها السياق، لا لشيء إلا ليجعل المعنى أكثر غموضًا وإبهامًا، ولكن بين أيدينا شرحين لكتاب (فصوص الحكم)، أحدهما للدكتور أبي العلا عفيفي، وقد طبع مع (الفصوص) في جزءين بمعرفة دار الكتاب العربي ببيروت، والآخر للشيخ عبد الرازق الفاشانى، وقد تم طبعه بمعرفة مكتبة مصطفى البابي الحلبي بجوار الأزهر الشريف بمصر.
ولذلك سنستعين بهذين الشرحين عند حاجتنا لجلاء غموض عبارات ابن عربي في كتابه (الفصوص).
وإذا كان الجيلي قد ادعى أن كتابه (الإنسان الكامل) موحى به من عند اللَّه تعالى، فإن ابن عربي قد تواضع قليلا فذكر في مقدمة كتابه (الفصوص) أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو الذي سلمه الكتاب، وقال: هذا كتاب (فصوص الحكم) خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به. فقال ابن عربي: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا. ثم قام بتحقيق الأمنية وإخلاص النية وتجريد القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده له الرسول صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان- على حد قوله- (انظر صفحة 47 جـ1 طبعة بيروت)، ثم يقول في صفحة 48: (فما ألقي إلا ما يلقي إلى، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به علي).
ولنقلب صفحات هذا الكتاب الذي ادعى مؤلفه أنه لم يزد فيه ولم ينقص عما حده له الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنرى مدى صحة هذا الادعاء.
من أول فصل في الكتاب نصطدم بالحقيقة المرة، حقيقة عقيدة الصوفية في اللَّه تعالى، فنحن نعلم أن علة الخلق هي عبادة اللَّه تعالى، قال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، ولكن لأن الصوفية لا يؤمنون بكتاب اللَّه تعالى وآياته المحكمة، فإن علة الخلق عندهم شيء آخر، قال ابن عربي في صفحة 48 جـ1 طبعة بيروت: (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعينها، وإن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله، لكونه متصفًا بالوجود، ويظهر به سره إليه، فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه هي مثل رؤيته نفسه في شيء آخر يكون له كالمرآة) إلى أن قال في صفحة 49: (فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة، وروح تلك الصورة).
قال الدكتور أبو العلا عفيفى في تعليقه على هذه الفقرة صفحة 7 جـ 2: (علة الخلق هي أن يرى اللَّه سبحانه نفسه في صورة تتجلى فيها صفاته وأسماؤه، أو بعبارة أخرى يرى نفسه في مرآة العالم).
والصوفية لا تؤمن بأن اللَّه تعالى غني عن العالمين، بل تقول إنه كما أن الخلق في حاجة إلى الخالق، فكذلك الخالق لا يستغني عن المخلوقات، فكل واحد منهما مفتقر إلى الآخر، فلولا الحق ما كان الخلق، ولولا الخلق ما ظهر الحق، قال ابن عربي في صفحة 56:
الكل مفتقر لا الكل مستغني هذا هو الحق قد قلناه لا تكني
وقال الدكتور أبو العلا عفيفى في شرحه لهذا البيت صفحة 18 جـ 2: (المراد بالكل الحق والخلق أو اللَّه والعالم، والكل في نظرة مفتقر، لأن الحق والخلق وجهان لحقيقة واحدة مفتقر كل واحد من وجهيها إلى الآخر).
وقال الفاشاني في شرحه للبيت صفحة 24: (أي إذا كان الحق ظاهرًا بصورته في العالم، والعالم مفتقر في وجوده إليه، فكل واحد من العالم والحق مفتقر إلى الآخر، ليس كلٌ منهما مستغنيًا عن الآخر، أما افتقار العالم إلى الحق ففي وجوده، وأما افتقار الحق إلى العالم ففي ظهوره).
والصوفية تصف المؤمن الذي يعمل بالشريعة بالجهل وسوء الأدب والضلال، قال ابن عربي في صفحة 68: (اعلم أيدك اللَّه بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهى عين التحديد والتقييد، فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب، ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه وو

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا