ديانة الصوفية
بقلم عبد الحميد خضري السيد
الحلقة الأولى
مقدمة – المصادر ومنهج البحث:
التصوف نحله حادثة في الملة، لم تظهر إلا في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، بعد أن ترجمت العلوم الفلسفية اليونانية واختلط المسلمون بغيرهم من ذوي الثقافات الأجنبية.
والتصوف بدعة لا يعرفها الإسلام، وليس أدل على ذلك من اختلاف المتصوفة أنفسهم في أصل كلمة (تصوف)فمنهم من يقول أنها مشتقة من الصفاء، ومنهم من يرجعها إلى أهل الصفة، ومنهم من يزعم أنها نسبة إلى الصف الأول، وغير ذلك من الأقوال التي لا دليل عليها من نقل أو عقل.
ومنذ ظهر التصوف وجمهور الباحثين في اختلاف شديد حوله، فمنهم من يقول أن التصوف هو أسمى درجات الإسلام، وأن المتصوفة هم أولياء اللَّه الصالحون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومنهم من يقول أن التصوف لا سند له من الإسلام، وأنه رجس ووثنية ودسيسة صهيونية.
وبين هؤلاء وأولئك يضل القارئ الذي يريد أن يعرف حقيقة التصوف، ويتحير بين مختلف الآراء التي يقرؤها لكل من المؤيدين والمعارضين.
وأرى أن خير وسيلة لمعرفة التصوف على حقيقته هي الرجوع إلى ما كتبه شيوخ الصوفية من مؤلفات، فما أكثر ما دون المتصوفة من رسائل وأسفار يشرحون فيها نحلتهم ويتحدثون فيها عن ملتهم.
والكتب التي نريد أن نرجع إليها هي الكتب التي ألفها لهم أئمتهم، وحازت القبول لدى جميع فرقهم على اختلافها، كالطواسين للحلاج، وفصوص الحكم أو الفتوحات المكية كلاهما لابن عربي، والإنسان الكامل للجيلي، والطبقات الكبرى للشعراني، وجواهر المعاني لابن حرازم، وديوان ابن الفارض، وغيرها من المراجع التي سيرد ذكرها في ثنايا البحث إن شاء اللَّه تعالى.
وهذه الكتب يدين بها جميع المتصوفة، ويتعبدون بما ورد فيها، ويجلون أصحابها، بل يقدسونهم، ويرون في كلماتهم الهداية دون كتاب اللَّه تعالى وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهم يسمون الحلاج شهيد العشق الإلهي، ويسمون الشعرانى القطب الرباني والهيكل الصمداني، ويسمون ابن عربي الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر، ويسمون ابن الفارض سلطان العاشقين، ويسمون الجيلي العارف الرباني والمعدن الصمدانى.
وللصوفية آراء ومعتقدات في اللَّه سبحانه وتعالى وفي الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي القرآن الكريم، وفي البعث وفي القضاء والقدر، ولهم عبادات تتركز في الأوراد والأحزاب وفي الأذكار والتوسلات، ولهم نظرات في أولياء اللَّه الصالحين، وسنرى مدى اتفاق آرائهم ومعتقداتهم مع ما جاء به الإسلام.
ولذلك سنقسم البحث إلى قسمين: قسم نتعرف فيه على عقيدتهم ومدى مطابقتها للعقيدة الإسلامية، وقسم ندرس فيه عباداتهم وعلاقتها بالشريعة الإسلامية.
وأما منهجنا في البحث عن حقيقة ديانة الصوفية (عقائد وعبادات)، فسنستخدم الأسلوب العلمى – دون الأسلوب الإنشائي – في عرض الموضوع، وذلك بإيراد آراء الصوفية كما جاءت في كتب شيوخهم وعلى لسان أئمتهم، وسنكتفي بعرض نصوص أقوالهم دون تعليق عليها من جانبنا، إلا بما يبين مبهما ويوضح غامضًا، وربما استدعى الحال المقارنة بين أقوالهم وبين ما جاء به الإسلام في كتاب اللَّه تعالى وعلى لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
واعتقد أن هذا المنهج هو خير وسيلة لعرض موضوعنا، فمعرفة ديانة الصوفية من مصادرها الأصلية المعترف بها عندهم تضع أقدامنا على الطريق الصحيح لمعرفة حقيقة التصوف والصوفية.
العقائد في ديانة الصوفية
أولا – عقيدة التوحيد عند الصوفية:
ونبدأ بعقيدة التوحيد، لأنه أساس الدين منذ خلق الإنسان إلى أن يرث اللَّه تعالى الأرض ومن عليها، وهو دعوة الرسل جميعا. من لا حظ له في التوحيد فلا حظ له في الإسلام.
ونبادر فنقول: أن الصوفية لا يعرفون عقيدة التوحيد، بل يعتبرونه أوحالاً يناشدون ربهم أن ينتشلهم منها، يقول ابن بشيش في ورده الذي يتعبد به الصوفية: (وانشلنى من أوحال التوحيد، وأغرقنى في عين بحر الوحدة).
(أنظر كتاب ذكر ودعاء من مطبوعات كتاب الشعب صفحة 287).
والوحدة التي يقصدها ابن بشيش هي (وحدة الوجود)، وهي النظرية التي وضعها شيوخ الصوفية لشرح وتفسير عقيدتهم في اللَّه سبحانه وتعالى.
ووحدة الوجود عقيدة ترى أن الوجود شيء واحد هو الذات الإلهية، وأما ما يوجد من مخلوقات فليست سوى مظاهر وتجليات للذات الإلهية، ولهذا يقول ابن عربي في الجزء الأول من كتاب فصوص الحكم صفحة 195 طبعة بيروت (العارف المكمل من رأى كل معبود مجلي للحق يعبد فيه، ولذلك سموه كلهم إلها مع اسمه الخاص بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان) والحق هو الاسم المفضل للذات الإلهية عند الصوفية، وذلك لأنه على حد قولهم من صفات الذات وذاكره يكون من أهل التوحيد وهو من أسرع الأسماء في الفتح والتجلي.
ومحمد الدمرداشى المحمدي يقول: (نقلا عن كتاب صوفيات صفحة 28 لأستاذنا الشيخ عبد الرحمن الوكيل).
لقد كنت دهرا قبل أن يكشف الغطا أخا لك أن


