الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

دروس وعبر من قصة هود

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب السيرة
وقفات مع القصة في كتاب الله – دروس وعبر من قصة هود عليه السلام-
بقلم فضيلة الشيخ عبد الرزاق السيد عيد

الحمد لله المهيمن على مقاليد كونه بسلطانه وقدرته المتصرِّف في شئون خلقه بأمره وقهره وعزته ، والمدبِّر لأحوال عباده وحكمته ، فجل العاقبة الحسنى في الدنيا والآخرة لأهل طاعته ، والخزي والسوء والنِّكال على من كذَّب رسلّه وخالف شريعته .
أما بعد :
ففي لقائنا في أعداد سابقة من قصة هود عليه السلام عرضنا لدعوته قومه ، وكيف قابل القوم ما جاءهم به من علم نافع بجهل عقيم حملهم على تكذيب نبيهم والسخرية منه وإيذائه بصنوف من القول والعمل فواجه هود عليه السلام ذلك كله بثبات على الحق لا يعرف اللين ، ويقين لا يعرف الشك في الله رب العالمين حتى سلط الله على عاد الريح العقيم فما تركت من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ، فما أغنت عنهم دنياهم التي كانوا فيها مترفين .
( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) [ هود : 102 – 103] ولنا اليوم وقفات أُخَرْ نكمل فيها بقية الكلام ونتأمل فيها بعض صوارف الإيمان التي صدَّت قوم هود عن الإيمان برسولهم .
أولاً : الترف من أهم الصوارف عن الإيمان :
قال تعالى : ( وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) [ المؤمنون : 33] يحكى الله لنا عن قوم هود ذلك القول حيث ردُّوا به دعوة نبيهم عليه السلام فقد كفروا وكذبوا بسبب ماهم فيه من ترف في الحياة الدنيا .
ولم يكن المترفون في قوم هود هم حملة لواء التكذيب فحسب بل في كل أمة من الأمم يحمل المترفون فيها لواء التكذيب بالرسل والصدّ عن سبيل الله .
قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) [ سبأ : 34 – 35] ذلك أن الترف حالة من الانغماس في شهوات الدنيا تجعل المترفين يتكبرون في الأرض بغير الحق ولا يفكرون إلا فيما هم فيه من نعمة زائلة فلا يتكلمون إلا بها ولا يعملون إلا لها وهم غير مستعدين لسماع أي صوت آخر حتى ولو كان صوت رسول رب العالمين بل ربما حملهم الخوف على ما هم فيه من متاع زائل على سرعة تكذيبه قال الله تعالى : ( وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ) [ هود : 116] .
مظاهر الترف في قوم هود : الإسراف – اللهو والعبث – البطش بقوة وتجبر – الكبر – الغفلة عن الآخرة : (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ(123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ(124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ(128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ(132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ(133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) [ الشعراء : 123 – 135] .
إن الله سبحانه وتعالى وسع على عاد في النعيم وأعطاهم من الأولاد والأموال والزروع والثمار ما لم يعط أحدًا من العالمين .
ولكنهم لم يعترفوا بالنعمة للمنعم ولم يشكروه عليها ، فاغتروا بها ، وأخذوا يتنافسون فيها ويتباهون بها ، ويقيمون المباني الضخمة لا يقيمونها للسكن ولا للمصلحة العامة أو الخاصة بل يقيمونها للعبث واللهو فحسب .
فهذه البنايات الضخمة التي يقيمونها على الأماكن المرتفعة عند التقاء الطرق . كم كانت تكلفهم من المال والجهد ، وليتهم كانوا يقيمونها لمصلحة ظاهرة كلا لم يكن هناك من هدف وراء هذه المباني الضخمة إلا التفاخر والغرور وإظهار القوة .
وكانوا يتخذون المصانع والمصانع هي الأبراج العالية أو المساكن الضخمة أو أحواض المياه . ولم ينكر عليهم نبيهم اتخاذ هذه المصانع في حد ذاته بل أنكر عليهم نزوعهم للخلود في الأرض ، ونسيان الآخرة .
وكان الأحرى بقوم هود أن يتقوا الله الذي أمدهم بالأنعام والبنين والجنات والعيون ، والنعمة التي كانوا فيها فاكهين ، لكنهم وهذا حال المترفين تشاغلوا بالنعمة عن المنعم ، وتعلقوا با

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا