دراسات في الاقتصاد الإسلامى
يقدمها: بخيت محمد عبد الرحمن الحصرى
– 3-
المال مال اللَّه… والبشر مستخلفون فيه… وممتحنون به… هذا الكون الذى نعيش فيه… خلقه اللَّه جل شأنه مما نعلم ومما لا نعلم… ومما ندرك ومما لا ندرك… ومما نستطيع تصوره ومما لا نستطيع تصوره… قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍفَاعْبُدُوهُ} [الأنعام: 102].
وما دام اللَّه خالق كل شيء فهو مالكه.. قال تعالى: {وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 17]. ويقول سبحانه: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 6].
فاللَّه وحده له ملكوت السموات والأرض وهو مالك الأموال كلها سواء تمثلت في ( أموال اقتصادية ) أو في ( أموال حرة ) فهذا التمييز القائم على الندرة هو تمييز من صنع البشر ( انظر ( الاقتصاد الإسلامى والاقتصاد المعاصر ) للدكتور محمد عبد اللَّه العربى. المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامية ص 209 ).
واللَّه الذى هو خالق هذا الكون ومليكه ومالكه قد سخره لخدمة البشر،وسلطهم عليه بما وهبهم من أبصار وأسماع وعقول تساعدهم على استخراج ما في الكون من خيرات واكتشاف ما فيه من قوى، واستغلال ذلك في سبيل نفعهم كوسيلة من أجل الغاية الكبرى التى خلقهم اللَّه من أجلها جميعًا وهى عبادة اللَّه سبحانه وتعالى يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20]. فمن الواضح- من واقع أمرنا في الأرض- أن اللَّه إذ خلق الأرض وخلق ما فيها من ثروات لم يخلقها لنفسه بل خلقها لنا بفضله وكرمه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، فهى من اللَّه سبحانه وتعالى لنا. ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: ” عادى الأرض لله ورسوله… ثم هى لكم” ( رواه سعيد بن منصور في سننه، وأبو عبيد في الأموال. وذكره أبو يوسف في الخراج عن طاوس )، والأرض العادية هى القديمة التى لا عمارة بها. والمراد بالحديث واضح فلا ملكية للأرض ابتداء إلا للَّه.. ثم هى منه للناس.
إذن فالمال مال اللَّه.. وما البشر إلا مستخلفون فيه يقول سبحانه وتعالى في سورة الحديد آية 7: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}.
يقول الزمخشرى في تفسيره لهذه الآية: ( يعنى أن الأموال التى في أيديكم إنما هى أموال اللَّه بخلقه وإنشائه لها. وإنما مولكم إياها وخولكم الاستمتاع بها وجعلكم خلفاء في التصرف فيها فليست هى بأموالكم في الحقيقة وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب ).
ويقول القرطبي في تفسير الجامع لأحكام القرآن: ( أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه: دليل على أن أصل الملك لله سبحانه وتعالى. وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذى يرضى اللَّه فيثيبه على ذلك بالجنة، فمن أنفق منها في حقوق اللَّه وهان عليه الانفاق منها، كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه كان له الثواب الجزيل والأجر العظيم، وقال الحسن: مستخلفين فيه بوراثتكم إياه عمن كان قبلكم وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة وما أنتم فيها إلا بمنزلة النواب والوكلاء فاغتنموا الفرصة فيها بإقامة الحق قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم ). فالمال كله لله والبشر لا يملكون منه إلا حق الانتفاع به.. ومن ثم وجب على الإنسان أن يستخدم هذا المال فيما خلق من أجله وقد سبق أن قلنا أن الإنسان خلق لعبادة اللَّه وأن ما في الأرض من ثمرات خلق ليكون معونة له على تلك العبادة.
وهنا نحب أن نركز على هذه الحقيقة. وهى أن الفرق بين الاقتصاد الإسلامى والاقتصاد المادى الكبير يتصل بالأساس، فالاقتصاد المادى يعتبر ( المعاش ) مقصد الإنسان الأساسى ويرى أن الرفاهية غاية الحياة الأصيلة.. أما الاقتصاد الإسلامى فإنه يرى أن المعاش والتمتع بطيبات الحياة مما لا يستغنى عنه الإنسان غير أنه ليس غاية الحياة الأصيلة ومقصدها الأساسى. فمما لا شك فيه أن الإسلام يعارض الرهبانية ويعتبر نشاط الإنسان في المجال الاقتصادى مباحًا وربما يستحسنه بل يستوجبه ويحتل ( الكسب الحلال ) في نظر الإسلام محل ( الفريضة بعد الفريضة ) ولكنه رغم ذلك كله لا ينظر إلى الاقتصاد كمشكلة الإنسان الأساسية ولا يخفى على ذى عقل أن هناك فرقًا بين أمر مباح ومستحسن أو ضرورى وبين كونه غاية ومركزًا للفكر والعمل. ولذلك فإن القرآن حينما يذم الرهبانية فإنه يأمر بابتغاء فضل اللَّه ويعبر عن التجارة ( بفضل اللَّه ) وعن المال ( بالخير ) وعن الغذاء ( بالطيبات من الرزق ) وعن اللباس ( بزينة اللَّه ) وعن الم


