خير الأقوال .. في محبطات الأعمال
بقلم : أسامة سليمان
عضو إدارة الدعوة بالمركز العام
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
فإن معرفة محبطات الأعمال من الأهمية بمكان ؛ لأن الله سبحانه قد حذرنا منها بقوله سبحانه : ( أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون ) [ الحجرات : 2] ، فما هو الإحباط ؟ وما هي أنواعه ؟
الإحباط لغة : هو عمل العمل ، ثم إفساده ، أو بطلان ثوابه ، وقد ورد لفظ الإحباط في كتاب الله عز وجل صريحًا في قوله سبحانه :
1 – ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) [ المائدة : 5] .
2- ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ الأنعام : 88] .
3- ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) [ محمد : 9] .
4- ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) [ الزمر : 65] .
5- ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ الأعراف : 147] .
1- ( ِ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) [ الحجرات : 2] .
وتلميحًا في قوله سبحانه :
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ) [ البقرة : 264] .
( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) [ الفرقان : 23] .
( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) [ التوبة : 65 ، 66] ، وكذلك وردت أحاديث عن رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وأقوال عن سلف الأمة تحذر من الإحباط منها :
1-قوله صلى الله عليه وسلم : ( من ترك صلاة العصر حبط عمله) .
2-عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلاً قال : والله لا يغفر الله لفلان ، وأن الله قال : (من ذا الذي يتألى عليَّ ، ألا أغفر لفلان ، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك) رواه مسلم .
3-قوله صلى الله عليه وسلم : (أتدرون من المفلس ؟) قالوا : المفلس منا من لا درهم له ولا متاع ، قال صلى الله عليه وسلم : ( المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطي هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار) . رواه مسلم .
4-عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قلت : يا رسول الله ، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين ، فهل ذلك نافعه ؟ قال : ( لا ينفعه ، إنه لم يقل يومًا : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) . رواه مسلم .
5- ولقد بوب البخاري : رحمه الله ، في كتاب الإيمان ، باب (خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر) ، وقال إبراهيم التيمي : ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا ، وقال ابن أبي مليكة :
أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول : إنه على إيمان جبريل وميكائيل ، ويذكر عن الحسن : أنه ما خافه إلا مؤمن ، وما أمنه إلا منافق .
6- قال القاضي أبو بكر بن العربي في الرد على المرجئة : أن الإحباط إحباطان ؛ أحدهما : إبطال الشيء للشيء وإذهابه جملة ، كإحباط الإيمان للكفر ، والكفر للإيمان ، وذلك في الجهتين إذهاب حقيقي .
ثانيهما : إحباط الموازنة إذا جعلت الحسنات في كفة والسيئات في كفة ، فمن رجحت حسناته نجا ، ومن رجحت سيئاته وقع في المشيئة . أما أن يغفر له وإما أن يعذب ، فالتوقيف إبطال لها ، لأن توقيف المنفعة في وقت الحاجة إليها إبطال لها ، والتعذيب إبطال أشد منه إلى حين الخروج من النار ، ففي كل منهما إبطال نسبي أطلق عليه اسم الإحباط مجازًا وليس هو إحباط حقيقة ؛ لأنه إذا أخرج من النار وأدخل الجنة عاد إليه ثواب عمله ، وهذا بخلاف قول الإحباطية الذين سووا بين الإحباطين وحكموا على العاصي بحكم الكافر وهم معظم القدرية .
الإحباط وأنواعه :
إحباط الأجر كلية لكل الأعمال الصالحة ، ومنه عمل الكافر ؛ لأن الإسلام شرط لقبول الأعمال ، فإن تخلف الشرط لا يقبل العمل مهما كان صلاحه ونفعه ، وفي ذلك يقول سبحانه : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ


