باب الاقتصادي الإسلامي
حكم ودائع البنوك وشهادات الاستثمار في الفقه الإسلامي
بقلم د / علي السالوس
الربا في الفقه الإسلامي
في الكتاب العزيز جاء ذكر الربا في أربع من سور القرآن الكريم ، إحداها مكية وهي سورة (الروم) ، قال تعالى : ( وَمَا ءَاتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا ءَاتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) [ الروم : 39] .
ومن المعلوم أن الربا لم يحرم إلا في العهد المدني ، أي أن هذه الآية الكريمة المكية جاءت من باب التدرج في التشريع كما حدث مثلاً في تحريم الخمر ، فبينت أن الربا غير مقبول عند الله تعالى ، وبذلك هيأت الأذهان والنفوس لتلقي حكم التحريم وتنفيذه .
ثم نزل التحريم في قوله تعالى من سورة (آل عمران) : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [ آل عمران : 130] .
وجاءت سورة (البقرة) بختام هذا التشريع ، فبينت سوء المنقلب لمن يتعامل بالربا واعتبرته عدوًّا لله ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم مستحقًّا لحربهما ، وأي خسارة بعد هذه الخسارة ؟ فتدبر قوله تعالى : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون آلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فألئك أصحاب النار هم فيه خالدون يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276)إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(277)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) [ البقرة : 275 – 279] .
وفي السنة الشريفة :
وجاءت السنة النبوية الشريفة تبين أن الربا من الكبائر ، ومن الجرائم الموبقات المهلكات ، وأن اللعنة تلحق من يأكله ، ومن يطعَمه غيره ، ومن كتبه ، ومن يشهد عليه ، وانظر مثلاً في كتاب (الترغيب والترهيب) للحافظ المنذري تجد ثلاثين حديثًا في الترهيب من الربا .
منها ما رواه الشيخان وغيرهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات ) . قالوا : يا رسول الله ، وما هُنّ ؟ قال : ( الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) .
وما رواه مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، ومؤكله ، وكاتبه ، وشاهديه ، وقال : (هم سواء) .
وما رواه البخاري بسنده عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة ، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم ، فيه رجل قائم ، وعلى وسط النهر بين يديه حجارة . فأقبل الرجل الذي في النهر رجل فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بالحجر في فيه فرده حيث كان ، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان ، فقلت : ما هذا ؟ فقال : الذي رأيته في النهر : آكل الربا ) .
ولا يسع أي مؤمن يسمع كلام الله تعالى ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يجتنب الربا أو ما فيه شبهة ربا .
لذا وجب أن نعرف ما يتعلق بالربا ، وعلى الأخص في زماننا هذا وقد عمت البلوي واستشرى الفساد في الأرض ، وأصبح كثير من الناس ينطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن الحلال أم من حرام ) . [ رواه البخاري وأحمد وغيرهما ] .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (يأتي على الناس زمان يأكلون الربا ، فمن لم يأكله أصابه من غباره) . وفي رواية : (من بخاره) . [ أخرجه أحمد والنسائي ] .
مفهوم الربا المحرم
الربا في القرآن الكريم :
تحدث القرآن الكريم عن الربا في أربع من سوره ، وكان الختام هو آيات الربا في سورة (البقرة) : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) إلى ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) الآيات [ البقرة : 275 – 279] .
وتفسير آيات الربا في السور الأربع يطول ذكره ، والرجوع إليه – بحمد الله تعالى – مُيَسَّر في كثير من الكتب ، والذي نريد أن نقف عنده هنا هو معنى الربا ال


