الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

حكم رواية الحديث الضعيف والعمل به

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

حكم رواية الحديث الضعيف والعمل به
بقلم / بدر عبد الحميد إبراهيم هميسة

من أخطر وأهم القضايا التي تعرض لها علماء الحديث الشريف قديمًا وحديثًا قضية رواية الحديث الضعيف وحكم العمل به ، ولقد انقسم العلماء في ذلك إلى ثلاثة مذاهب :
المذهب الأول : أنه لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقًا ، لا في الأحكام والعقائد ، ولا في فضائل الأعمال ؛ وهذا الرأي حكاه ابن سيد الناس في (عيون الأثر) عن يحيى بن معين ، ونسبه في (فتح المغيث) لأبي بكر بن العربي ، ويبدو أن ذلك أيضًا مذهب الإمامين ؛ البخاري ومسلم ، فقد اشترطا على نفسيهما ألا يخرجا إلا الصحيح فقط ، بل إن مسلمًا قد شنع في مقدمة (صحيحه) على من يروون الحديث الضعيف ، وهذا المذهب – كذلك – مذهب ابن حزم ، ومن المعاصرين الذين قالوا به ؛ العلامة أحمد شاكر ، والشيخ الألباني وغيرهم .
والمذهب الثاني : أنه يُعمل بالحديث الضعيف مطلقًا في الأحكام ، وفي فضائل الأعمال ، وقد عُزي ذلك إلى الإمام أحمد بن حنبل وإلى تلميذه الإمام أبي داود السجستاني ، فلقد كانا يريان أن الضعيف أقوى في الاستدلال من آراء الرجال ، ولكن يبدو أن هذا الرأي يحتاج إلى تحليل ومراجعة ، فليس من المنطق أن يجيز الإمام أحمد رواية الحديث الضعيف والعمل به على هذا الإطلاق ، وهو إمام أهل السنة والجماعة ، والذي كان منهجه التدقيق والتحري في رواية الضعيف ، فضلاً عن العمل به .
وكذا فإن الإمام أبا داود السجستاني قد شرط في (سننه) أنه ما كان من ضعيف فإنه يبينه ، وينبه عليه .
والحق أن الإمام أحمد وأبا داود حينما قالا ذلك قالاه وقد كان الحديث على عهدهما ينقسم إلى قسمين :
صحيح .
وضعيف .
والضعيف نوعان ؛ متروك ، وليس بمتروك ، وهذا الأخير كان يعد نوعًا من أنواع الحديث الحسن ، فالمتروك لم يجزه أحد منهما ، وإذا كانا قد أجازاه ، فقد أجازا روايته فقط وليس العمل به ، وذلك بعد الكشف عن ضعفه ليحذره الناس .
وأما الثاني : الضعيف الذي ليس بمتروك ، والذي سماه الترمذي فيما بعده بـ (الحسن) ، فهذا تجوز روايته .
وأما المذهب الثالث : أنه يعمل بالضعيف في فضائل الأعمال بشروطه المعتمدة عند الأئمة
الثقات ، والتي لخصها الإمام ابن حجر ، رحمه الله ، في ثلاثة شروط هي :
أحدها ؛ أن يكون الضعف غير شديد ، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ، ومن فحش غلطه .
والثاني ؛ أن يكون لا يعتقد عند العمل به ثبوته ، بل يعتقد الاحتياط .
والثالث ؛ أن يكون مندرجًا تحت أصل معمول به ، فيخرج ما يخترع ، أو ما لا أصل له .
والذي يعنينا من كل ما سبق أن فتح المجال لرواية الحديث الضعيف ، والقول بالعمل به ، قد فتح المجال للدخلاء من أنصاف العلماء ، والوعاظ الجاهلين ، والقصاص ، والمتصوفة المتأولين لأن يتقولوا على الرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله .
وحتى إنهم على أقل تقدير لم يراعوا شروط رواية الضعيف والعمل به ، بل أخذوا يروون الموضوعات والمناكير بحجة أنه يجوز رواية الضعيف في فضائل الأعمال .
وإن من يقرأ دواوين الخطباء ، ومن يستمع إلى أكثرهم – إلا من رحم الله – لتتأذى أذناه بما يسمع من روايات مكذوبة ، وأحاديث موضوعة ، والتي كان لها أثرها السيىء على الأمة عقيدة وفكرًا وسلوكًا ، وعلينا أن نعلم أن في الأحاديث الصحيحة مندوحة لنا وكفاية نبني عليه معتقداتنا وأخلاقنا .
والله مولانا ، وهو خير الناصرين .

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا