كلمة التحرير
بقلم رئيس التحرير
صفوت الشوادفي
تركيا بين الخلافة والزلزال
أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم ، بسم اللَّه الرحمن الرحيم : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] .
لقد كانت تركيا بالأمس هي دار الخلافة الإسلامية ، وحامية حمى الإسلام والمسلمين ، وقد أصبحت بعد ذلك من أشد الناس عداوة للإسلام وحربًا عليه ، وعونـًا لأعدائه على أتباعه !!
وكانت بداية الكارثة والمصيبة العظمى يوم أن أعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية ، وكان هذا الملحد الزنديق سببـًا في أن أصبح العالم الإسلامي للمرة الأولى منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلمبلا خلافة !!؟
وترتب على إلغاء الخلافة طرد الخليفة – بعد خلعه – وآله وأسرته جميعـًا إلى خارج حدود تركيا ، بعد أن جردّهم من كل أملاكهم وأموالهم ، وتم حرمانهم من الجنسية التركية ، كما فعلوا اليوم مع نائبة البرلمان التي ارتدت الحجاب !!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ؛ بل تم ضم الأوقاف الخيرية إلى أملاك الدولة ، وإلغاء التعليم الديني ، وإغلاق المحاكم الشرعية ، وإبطال العيدين ، وصلاة الجمعة ، وقتل العلماء والفقهاء ؛ بل وقتل كل من ارتفع صوته مطالبـًا برعاية حق الدين وحرمته ، وأقاموا لهؤلاء محكمة وهمية تحكم بقتلهم ؛ وسمّوها (( محكمة الاستقلال )) !!
كما أباح أتاتورك وأعوانه تزوج المسلمات بالنصارى وحرّموا تعدد الزوجات ، وأخرجوا نساء المسلمين متبرجات إلى الرقص والبارات ، وألغوا تعليم القرآن والدين من جميع المناهج الدراسية ، ومنعوا الشعب التركي من الحج إلى بيت اللَّه الحرام ، وأحلوّا الحروف اللاتينية محل الحروف العربية .
الخلافة والزلزال
وقد قام الأزهر الشريف – في ذلك الوقت – بدور عظيم في التصدي لهذه الكارثة ، وتحذير المسلمين من شرها وخطرها وضررها ؛ فأصدر علماء الأزهر بيانـًا موقعـًا من كبار علمائه ، وأُذيع بعد إلغاء الخلافة بأربعة أيام فقط ، وقرر البيان بطلان ما فعله أتاتورك من عزل الخليفة الذي انعقدت له البيعة من المسلمين جميعـًا .
وكتب وكيل الأزهر – في ذلك الوقت – العلاّمة الشيخ محمد حسنين مقالاً جاء فيه :
( … إن الإجماع منعقد على وجوب نصب خليفة للمسلمين ، وقد ورد في (( صحيح مسلم )) : (( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية )) . وأولى الناس بهذا الواجب الخطير الأُمة المصرية ؛ فإن فيها من علماء الدين وطلاب العلم آلافـًا عديدة ، ومن أهل الحل والعقد وذوي الرأي ما لا يجتمع في غيرها ، وفيها الأزهر الشريف الذي امتازت به مصر عن سائر الأقطار ؛ يؤمه القاصي والداني في مشارق الأرض ومغاربها ؛ ولمصر في نفوس العالم الإسلامي منزلة تستحق معها السبق إلى هذا الواجب الأكيد ؛ فيجب على العلماء وأهل الحل والعقد أن يبادروا إلى النظر في بيعة خليفة للمسلمين ؛ حتى يخرجوا من عهدة هذا المنصب الخطير ) . اهـ .
وفي عصرنا الحاضر ضاعف المسئولون العلمانيون الأتراك ، ومعهم الجيش التركي من عداوتهم للإسلام وحربهم للمسلمين .
فسمحوا للحلفاء الأعداء أن يستخدموا أرض تركيا قاعدة لهم ينطلقون منها لقتل الشعب العراقي المسلم بأطفاله ونسائه وشيوخه !!
وقتلوا وشردوا الأكراد ، ومزقوهم كل ممزق بغير أسباب حقيقية ؛ والأكراد جنسية لفئة مسلمة أكثرهم من أهل السنة والجماعة .
واضطهدوا الشعب التركي المسلم ، وحاربوا كل محاولة إسلامية للمطالبة بتطبيق الشريعة ، أو حتى الالتزام الشخصي بها ؛ وما حدث مع نجم الدين أربكان وحزبه خير شاهد ودليل .
وحاربوا اللحية والحجاب ؛ وهما من شعائر الإسلام ، وقد رأى
المسلمون في العالم حقدهم وبغضهم عندما دخلت نائبة مسلمة البرلمان بحجابها ، فقامت الدنيا ولم تقعد حتى خرجت ، وفُصلت ، وحُرمت من الجنسية التركية !! وهي تركية !!
ونحن لا نؤيد دخول المرأة المسلمة عضوية البرلمان ، لكننا نتعجب من صنيع هؤلاء الملاحدة الذين ينتسبون إلى الإسلام ظلمـًا وزورًا !!
أقاموا معاهدات قوية مع اليهود في مجالات عديدة ؛ منها معاهدة دفاع مشترك ؛ ولا ندري ضد مَن غير العرب والمسلمين ؟!!
أعلنوا الحرب على الشريعة في كافة المجالات ، واضطهدوا كل داعٍ إلى اللَّه ، وتقوم سياستهم دائمـًا على (( التنكيل بالمسلمين ، والتمكين للعلمانيين )) .
وأملى اللَّه لهم ، واستدرجهم بنعمه الكثيرة الوافرة ، فكفروا بأنعم اللَّه ؛ فأمضى اللَّه فيهم سننه التي لا تتبدل ولا تتحول ؛ فأنزل عليهم بلاءً عظيمـًا لا قِبل لهم به ، وضربهم بزلزال كثيف عنيف مخيف !! فملأ قلوبهم رعبـًا وخوفـًا وهلعـًا وفزع


