موضوع العدد
بدعة الاحتفال بمولد النبي صلي الله عليه وسلم (*)
بقلم الشيخ العلامة
محمد حامد الفقي
قال الله تعالى من سورة الحج : ( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ ) .
قد جاء في حب النبي صلي الله عليه وسلم من النصوص ما لا يحتاج إلى إيضاح ورأس ذلك ما روى البخاري ومسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) وفي الحديث الآخر : (حتى أكون أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه ) والحب لرسول الله صلي الله عليه وسلم بهذا لا يكون فرضًا فحسب بل هو أحد أصلى الإيمان فإن تبني الإيمان وأساسه على حب الله وحب رسوله ، فلن يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما .
والحب حُبان : حب وهميٌّ خيالي وحب يقينيٌّ حقيقي أو حب كاذب وحب صادق فالحب الوهمي الخيالي الكاذب هو حب الجاهلين الذين حرموا العلم بمعرفة محبوبهم على حقيقته وصفاته وخصائصه التي تميزه عن غيره . والحب اليقيني الصادق هو حب العارفين الذين أوتوا العلم بمعرفة محبوبهم وصفاته التي تميزه عن غيره تمييزًا لا يقع معه وهم ولا اشتباه .
ولطالما كان الحب الوهمي الخيالي هذا بابًا من أوسع أبواب الشيطان التي أدخل منها في القلوب الزيغ والإلحاد والوثنية والشرك فانقلب المقلدون الجاهلون من حيث لا يشعرون ألد أعداء من يدعون حبه وأشد الناس بغضًا له ولصفاته ولخصائصه التي ميزه الله بها عن غيره .
والمثل قائم ملموس في النصارى الذين يقسمون جهد أيمانهم أنهم أشدُّ الناس حبًا للمسيح عيسى بن مريم عبد الله و رسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروح منه وكل عاقل لا يمترى في أنهم – بعقيدتهم الخاطئة في المسيح – أبغض الناس له وأشدهم له كراهية ولصفاته التي ميزه الله بها ، ذلك بأنهم جهلوا عيسى عليه السلام وجهلوا حقيقته وما اختص به فكانوا من الضالين .
وما جرهم الشيطان إلى الغلو في عيسى وأمه إلا بزمام هذا الحب الوهمي الخيالي الكاذب ومازال يقذف في قلوبهم من الأوهام والخيالات الكاذبة حتى قالوا : إنه ابن الله وأنه الله واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله وأشركوهم معه في العبادة والتشريع ، وما زال بهم الغلو حتى زعموا أنه النور المنبثق من ربهم وأنه لذلك أول خلق الله وما زال يتنقل بالكلمة حتى حل لاهوته في ناسوت ابن مريم كما زعمت صوفية الهند والصين في بوذا وبرهما وصوفية قدماء اليونان والمصريين في معبوداتهم ومقدَّسيهم كما قال الله تعالى : ( يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) سبحان الله وتعالى عما يشركون .
ولا يشك عاقل في أن مسيحهم الذي يدعون له هذا الحب الوهمي الكاذب إنما هو شخص خيالي وهمي أيضًا لا حقيقة له في الوجود أصلا (1) صورته في قلوبهم المظلمة يد الشيطان عدو الله وعدو عيسى والنبيين وعدو الإنسان المبين فإنه يستحيل أن يكون للمسيح الموصوف بالنور الأول وبالنبوة لله وبصفات اللاهوتية المزعومة وجود ولا حقيقة خارج هذه العقول السخيفة . أما عيسى الحقيقي عبد الله ورسوله الذي جعل الله ولادته آية على عظيم قدرته سبحانه ومعجزة لإبطال ما ادعوه في ذلك العصر من التبحر في الطب حتى فتنوا وفتنوا الناس بذلك .
هذا النبي الذي هو عيسى بن مريم والذي نحله النصارى صفات الألوهية لحبهم الكاذب إياه لو أنه عاد إلى الدنيا لقاتلهم قبل أن يقاتل اليهود الذي رموا أمه البتول المطهرة بالمنكر والزور . وإنك لتراهم مع ذلك قد أكثروا من الأعياد والذكريات لحوادث مسيحهم الخيالي وأمه ولكل شأن من شئون هذا المسيح وأمه وللرهبان والقسيسين المنتسبين إليه والزاعمين أنهم أكثر الناس حبًا له .
فلا يكاد ينتهى شهر إلا وفيه عيد أو أكثر ، يفعلون في تلك الأعياد أقصى ما يستطيعون ويبذلون عليها الأموال ويطعمون الطعام ويوقدون السرج والشموع ابتهاجًا بتلك الأعياد ، وقد جعلوا لكل عيد من هذه الأعياد طقوسًا خاصة يرتلون فيها التراتيل ويترنمون فيها بالصلوات والمزامير ويجتمعون لها في الكنائس وهي عندهم أهم عناصر دينهم وأقدس قرباتهم ، ويعتبرون ما يقارفونه في هذا السبيل من فعل أو قول أجْلى مظاهر حبهم للمسيح وأقوى سبب لمرضاته وأقرب طريق إلى الجنة التي هي في زعمهم وقف عليهم دون الناس أجمعين !!
ولقد كان لليهود في إفساد دين عيسى بن مريم وإزاغة النصارى عنه أكبر الأثر لأنهم أشد الناس بغضًا لله ولرسله ولكل قائم بالقسط بين الناس ولكنهم مع هذا قد تأثروا بما دسه سلفهم في عقيدة النصارى فشرع لهم أحبارهم أعيادًا على غرار أعياد النصارى لما تجره هذه الأعياد من منافع مادية على القسس والرهبان ، فابتدع أحبار اليهود لعامتهم مثل هذه الأعياد واستغلو


