باب الفقه
يقدمه
أحمد فهمى أحمد
عودة إلى موضوع التيمم:
كنا قد تحدثنا عن موضوع التيمم في عددى ربيع الأول وربيع الآخر 1398، وفي عدد ربيع الآخر أوضحنا عدم جواز التيمم للمسافر مع وجود الماء، إلا أن بعض الأخوة الأفاضل أبلغونا أنهم قرأوا في بعض المراجع أن السفر يبيح التيمم على الإطلاق حتى مع وجود الماء عملاً بنص الآية الكريمة: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا……} [النساء: 43، المائدة: 6]. وقد طلبوا إعادة الحديث في هذا الموضوع بشيء من التفصيل.
واستجابة لهذه الرغبة فإننا نورد بعض الأدلة على ما سبق أن قدمنا من بيان عدم شرعية التيمم للمسافر مع وجود الماء:
1- حديث عمران بن حصين السابق ذكره بالتفصيل في عدد ربيع الآخر 1398 من المجلة في مقال التيمم، والذى يتضمن أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان على سفر مع بعض القوم، وأمر رجلاً أصابته جنابة وليس معه ماء أن يتيمم ويصلى، فلما وجدوا الماء أعطاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إناء من ماء وأمره بالاغتسال. ففهم من هذا التصرف أن تيمم هذا الرجل قد انتقض بوجود الماء، ولا يخفى أنهم جميعًا كانوا على سفر ( رواه البخاري ومسلم ).
2- عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا طيبا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فذكرا ذلك له، فقال للذى لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك. وقال للذى توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين ( رواه النسائى وأبو داود واللفظ له ).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن هذين الصحابيين لو كانا يعلمان أن التيمم يبيح الصلاة أثناء السفر مع وجود الماء لما اجتهدا هذا الاجتهاد الموضح في الحديث، ولما عرضا الأمر بعد ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولو كان التيمم جائزًا لهما مع وجود الماء لأوضح لهما ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند عرض الموضوع عليه.
3- حديث عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة شديدة البرودة، فأشفقت أن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك فقال: يا عمرو: صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت: ذكرت قول اللَّه عز وجل: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فتيممت ثم صليت. فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا ( رواه أحمد وأبو داود والحاكم والدارقطني وابن حبان وعلقه البخاري- راجع هامش صفحة 46 من عدد ربيع الأول 1398 ).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث أنه لو كان التيمم جائزًا للمسافر مع وجود الماء لكان ما فعله عمرو بن العاص أمرًا عاديًا ولما ذكره أصحابه لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولو ذكروه- كما حدث- لما قال له صلوات اللَّه وسلامه عليه: ” صليت بأصحابك وأنت جنب؟” بل كان يقول لهم مثلا: وما الغرابة فيما فعله عمرو بن العاص.
4- عن على رضي اللَّه عنه قال: جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم يعنى في المسح على الخفين ( أخرجه مسلم وغيره ) وعلق عليه صاحب سبل السلام بقوله: ( والحديث دليل على توقيت المسح على الخفين للمسافر ودليل على مشروعية المسح للمقيم أيضًا، وعلى تقدير زمان إباحته بيوم وليلة للمقيم، وإنما زاد المدة للمسافر لأنه أحق بالرخصة من المقيم لمشقة السفر ).
ونقول إن التيمم لو كان جائزًا للمسافر مع وجود الماء فكيف يتفق هذا مع سنة المسح على الخفين الذي لا يكون إلا مع الوضوء؟
أما الآية الكريمة: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا…..} فإن ظاهر الآية تعلق جواز التيمم في هذه الحالات جميعًا على الشرط الأساسى وهو فقدان الماء، فجاءت السنة النبوية المطهرة وتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية بصفته مبينًا عن اللَّه تعالى وموضحًا لمراده، ففصلت الأمر وشرحته وبينت ما أدرج في الآية من حكم، كالأدلة السابق إيضاحها.
أما القول بأن تأويل الآية هو ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو أحدثتم فلم تجدوا ماء ) فإنه تأويل في غاية العجب لأنه يساوى المريض والمسافر بالمحدث، والمساواة بين المحدث وبين كل مريض أو كل مسافر لا يستقيم أبدًا، لأنه يجعل مجرد السفر أو المرض مساويًا للإحداث الذي هو الأصل في وجوب التطهير، لأن المرض والسفر إذا لم يقترنا بالإحداث فلا محل لوضوء ولا تيمم، وكان الأجدر أن يكون تأويل الآية هو ( وإن كنتم


