الافتتاحية
الكلمة بين الأمانة والـحرية
بقلم الرئيس العام : محمد صفوت نور الدين
الحمد للَّه رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وآله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين … وبعد :
فإن اللَّه سبحانه جعل الآذان مفتوحة بلا إغلاق ؛ ولذا فإن العبد لا يُحاسب على ما وصل إلى سمعه ، إنما يُحاسب على ما قصد التسمع إليه ، بل يُثاب إذا أنكر ما سمعه من قول منكر . وجعل اللَّه للعين أسبابـًا تصرف بها البصر ، وهي عنق يديره بعيدًا ، حتى يتوارى عنه ما يسوءه رؤيته ، أو جفن يغلقه ؛ لذا فإن العبد لا يُحاسب على نظرة الفجأة ، إنما يُحاسب على ما استرسل فيه من البصر ؛ لحديث مسلم عن جرير ، رضي اللَّه عنه : (( لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليست لك الآخرة )) .
أما الكلام فإن المولى عز وجل حكم فيه حكمـًا شديدًا ، فقال سبحانه : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] ، فلا يعفى عن كلمة حتى تكتب ويحاسب العبد عليها ، ولذلك جعل اللَّه الأصل في العين الفتح ، والإغلاق طارئ عليها ، بينما الأصل في الفم الإغلاق ، والفتح طارئ عليه ؛ أي لا يفتح إلا للحاجة ، وجعل عليه أغلاقـًا قوية من فكين هما أقوى عضلات الجسم ، وشفتين هما من أحكم عضلاته .
الكلمة المسموعة والكلمة المكتوبة !!
هذا ، وإن الكلمة المسموعة قد تصدر من الفم فيها سبق اللسان ، ولكن الكلمة المكتوبة وإن كان فيها سبق القلم ، إلا أن المراجعة تنفي وقوع ذلك في الكتب والصحف ، ولا يجوز الاعتذار عن خطأ الكتابة في الصحف والكتب بأنه سبق قلم .
هذا ، وإن ما تكتبه بعض الجرائد والمجلات من عبارة : ( إن الكلمة المنشور لا يُعبر بالضرورة عن رأي المجلة أو الجريدة ، وإنما يعبر عن رأي كاتبه ) لا يعفي ذلك صاحب هذا الباب أو المسئول عنه من أنصار الشيوعية المنهارة انضموا إلى أنصار الباطل من أهل الغرب وأخذوا يحاربون من خندق واحد يهاجمون كل فضيلة ويدعون لكل رزيلة !!
أقول لكل صاحب صحيفة أو مسئول عن جريدة أو محرر في مجلة : إن الكلمة أمانة ، فإن كانت هادية نشروها وأزاعوها ، وإذا وجدوا باطلاً أعرضوا عنه ولم يكلموا أحدًا فيه !!
مسئولية نشر الإثم وفتح الباب للنشر ، والمسائل التي يُنشر فيها آراء الكاتبين إذا حُسم القول فيها من المتخصصين ، فلا مجال للرأي عندئذ فيها ، ومنها ما يكون للرأي فيه مدخل ويتفاوت مجال أو الرأي فيه ، كالأمور السياسية والاجتماعية ، أما المسائل الشرعية فهي أكثر المسائل ضبطـًا ، فلا مجال للرأي فيها ، إنما هي وحي من اللَّه سبحانه – قرآنـًا وسنة – وبفهم سلف الأُمة الذين نزل فيهم القرآن ، وعمل به الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام وأهل القرون الفاضلة ، فلا يبقى للرأي فيها من مدخل ، فلا مجال لطرح قضايا الشرع للآراء يتبارى فيها الناس ويتخاصمون بآرائهم ؛ لأن الشرع لا مجال للأهواء فيه ، إنما أحكام دقيقة وآداب رفيعة ، فضلاً عن عقائد بينَّه لا يمكن انباتها بتجربة ، ولا بكلام خبير معمر أو إنسان مجرب .
استعمال الرأي في الأمور الشرعية !!
وإذا احتج أحد بأن العلماء يستعملون الرأي في تفسير آيات القرآن ، وكذلك في شرح الأحاديث ، فالجواب : إن كلمة الرأي في مجال الشرعيات والتي أذن فيها أهل العلم لا تعني ذلك الهوى الذي نسميه نحن رأيـًا ، إنما الرأي عندهم يعني ما تحمله الكلمة من معنى في ضوء الضوابط اللغوية والثوابت الشرعية ، وذلك هو المعنى الذي يقول به أهل العلم في التفسير بالرأي المقابل للتفسير بالمأثور ؛ أي تفسير القرآن بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة وأئمة العلم .
هذا ، وكثير من الناس يظن أن كثرة عدد القائلين بمسألة يعني أنها صواب ، وذلك إن صدق في مسائل التجارة والصناعة والزراعة والطب والسياسة وأمور الدنيا ، فلا يصدق في الأمر الشرعي مهما كثر القائلون به ، إنما الحق ما وافق الكتاب والسنة ، ولو قال به القليل فهو الصواب ؛ ولذا فإن اللَّه عز وجل قال : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } [ الأنعام : 116 ] ، ويقول سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام: { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ هود : 40 ] ، ولو كان الصواب مع الأغلبية لكان كلام الأنبياء مردودًا ، وضلالات جند الشيطان هي المقبولة ، ولكان اللواط صوابـًا ، والطهارة خطأً ، ولكان أقوال وأفعال أهل الضلال هي الحق المتبع ، ولكان أقوال الأنبياء هي الباطلة المهجورة .
أنصار الباطل من أهل الغرب !!
ونرى اليوم بعد أن انهارت الشيوعية في العالم أن أنصارها قديمـًا انضموا لأنصار الباطل من أهل الغرب ، وأخذوا يحاربون من خندق واحد يهاجمون كل فضيلة ، ويَدْعون لكل رذيلة ، فترى الإذاعي من هؤلاء يساند الصحفي من إخوانه ، فيذكر في ذلك ، يقول اللَّه عز وجل : { أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَق


