الفتاوى
إعداد لجنة الفتوى بالمركز العام
س يسأل نسمع كثيرًا من بعض أهل الفضل هذا الدعاء (اللهم اجعلنا – اجمع بيننا – في مستقر رحمتك ) فما المقصود بمستقر رحمة الله تعالى لأننا سمعنا البعض ينهى عن مثل هذا الدعاء ، ويزعم أن مستقر الرحمة هو رب العالمين سبحانه وتعالى :
الجواب
مراد الداعي بهذا الدعاء (اللهم اجمع بيننا في مستقر رحمتك ) الجنة .
والمعنى (اللهم اجمع بيننا في جنة الخلد ) حيث رحمتك ، ولا شك أن الجنة هي محل الرحمة ، كما أن النار هي محل العذاب والشقاء ، ولهذا فإن دخول الجنة يكون برحمة الله تعالى ، وفي الصحيح (لن يُدخل أحدًا عَمَلُهُ الجنة ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ) .
وفي الصحيحين أن الله تعالى قال للجنة : (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ) .
ولكن ورد عن بعض السلف كراهية مثل الدعاء فقد روى البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح عن أبي الحارث الكرماني قال : سمعت رجلاً قال لأبي رجاء العطاردي : أقرأ عليك السلام ، وأسأل الله أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته .
قال أبو رجاء : وهل يستطيع أحد ذلك ؟ فما مستقر رحمته ؟ قال الرجل : الجنة . قال : لم تصب .
قال الرجل : فما مستقر رحمته ؟ قال أبو رجاء : رب العالمين .
وأبو رجاء ثقة مخضرم ، أسلم في حياة النبي صلي الله عليه وسلم هو وعالم عامل نبيل ، مقرئ معمر .
فرحمة الله صفة من صفاته ، والجنة خلق من خلق الله فلا يمكن أن تكون مستقر رحمته تعالى ، وإن كان استقرار المؤمنين فيها رحمته تعالى .
وهذا من أبي رجاء العطاردي على سبيل الاحتراز عن المشتبهات خاصة فيما يتعلق بصفات الله عز وجل .
والتحقيق أن الرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان (1) :
الأول : مضاف إضافة صفة إلى موصوف ، كما في قول الله تعالى : ( إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .
وفي دعاء النبي صلي الله عليه وسلم : (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) .
والثاني : في مضاف من إضافة المفعول إلى فاعله ، كما في قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ )[هود :9] .
( فَانْظُرْ إِلَى ءَاثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) [ الروم : 50] .
وفي الحديث : ( إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ) .
(أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ) .
ولكن مستقر الرحمة هو رب العالمين سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم ، الذي وسع كل شيء رحمة وعلمًا ، ووسعت رحمته كل شيء .
ولهذا فالراجح اجتناب هذه اللفظة في الدعاء ، كما قال أبو رجاء رحمة الله تعالى علينا وعليه .
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ص10 ، ص447.
يسأل : بعض الآيات تبين أن عاقبة بعض المسلمين الخلود في النار ، مثل قول الله تعالى : ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) فهل يكون الخلود لبعض المسلمين مثل الكافرين ؟ .
الجواب
لم ترد في القرآن الكريم آية صريحة تدل على خلود مسلم أو مؤمن في النار أبدًا !.
وينبغي على من أراد أن يفهم آيات الوعيد في القرآن أن يجمعها في صعيد واحد ، فيفسر الآية المجملة بالآية المفصلة ، وذلك مثل قول الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) ومعلوم أن الشرك ذنب ، وأنه لا يغفر إلا بالتوبة منه وتحقيق الإيمان ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) . وكذلك حقوق العباد التي لا تسقط إلا بردها واسترضاء أصحابها لا تدخل في عموم قول الله تعالى : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) لأن هذا الذي سلف إذا كان فيه مظالم فإن الشريعة تأمرهم برد المظالم إلى أهلها .
فينبغي لمن أراد أن يفهم أمثال هذه الآيات أن يجمعها ، وأن يفرق بين المجمل والمفصل ، أو المطلق والمقيد ، أو العام والخاص كما يقول أهل العلم ، وألا يفهم الآية استقلالاً حتى لا تفهم على وجه غير صحيح .
أما الآيات التي تتحدث عن خفة الميزان في القرآن فهي تتحدث عن مطلق الميزان الخفيف ، فالكافر لو وزنت أعماله فلن تجد في ميزانه شيء ينتفع به ، فعلى هذا يكون ميزانه خفيفًا خفة مطلقة .
والمؤمن إذا وزنت أعماله ، توضع حسناته في كفه وسيئاته في كفة أخرى ، فيترجح أحدهما على الآخر ، ولو رجحت كفة السيئات فإنه لا يخلد في النار . لأن الله تعالى يقول أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير من يزن ذرة .
فهذا الذي ذكره السائل غير صحيح ، فلا يوجد في القرآن نص يتحدث عن خلود المسلمين في النار ، وهذا من المجمع عليه عند أهل العلم .
س يسأل : أعمل م


