الغلو والتطرف في الفرق الإسلامية
المرجئة
أ . د / سعيد مراد
أستاذ العقيدة الإسلامية ( جامعة الزقازيق )
المرجئة : فرقة من الفرق الإسلامية ، بدأت تتحدد ملامحها عندما طرح السؤال التالي : ما الحكم على مرتكب الكبيرة ؟ وذلك عقب الفتنة التي صاحبت مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، والتي كان من نتائجها اقتتال المسلمين ، وماذا يمكن أن نفهم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ) ؟ .
وعلى حين قال الخوراج بتكفير مرتكب الكبيرة ، وتكفير الفريقين من المعسكرين قال المعتزلة بالمنزلة بين المتزلتين ، أي تفسيق مرتكب الكبيرة ، وقالوا بتكفير أحد الفريقين دون تحديد من هو ، قالت ، المرجئة : يرجأ أمر مرتكب الكبيرة إلى الله يوم القيامة ، فلا يقضى عليه في الدنيا .
· أصل التسمية :
يقول البغدادي : ( وإنما سموا مرجئة ؛ لأنهم أخروا العمل عن الإيمان ، والإرجاء بمعنى التأخير ، يقال : أرجيته وأرجأته إذا أخرته ) ، ويقول الإسفراييني : ( واعلم أن الإرجاء في اللغة هو التأخير ، وإنما سموا مرجئة ، لأنهم يؤخرون العمل من الإيمان ، على معنى أنهم يقولون : لا تضر المعصية مع الإيمان ، كما لا تنفع الطاعة مع الكفر ) .
ويزيد الشهرستاني هذه المسألة وضوحًا عندما يشرح معنى الإرجاء ، فيقول : الإرجاء على معنيين :
أحدهما : بمعنى التأخير ، كما في قوله تعالى : ( قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ) [ الأعراف : 111] ، أي : أمهله وأخره .
والثاني : إعطاء الرجاء .
أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح ؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل على النية والعقد ، وأما بالمعنى الثاني فظاهر ، فإنهم كانوا يقولون : لا تضر مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة .
وقيل : الإرجاء ؛ تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة ، فلا يُقضى عليه بحكم في الدنيا ، من كونه من أهل الجنة ، أو من أهل النار ، فعلى هذا : المرجئة والوعيدية – أي : المعتزلة القائلين بالوعد والوعيد – فرقتان متقابلتان .
وقيل : الإرجاء ؛ تأخير علي ، رضي الله عنه ، عن الدرجة الأولى إلى الرابعة ، فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان .
ويقول صاحب ( الحور العين ) : وسميت المرجية : مرجية ؛ لأنهم يُرْجُون أمر أهل الكبائر ، من أهل أمة محمد إلى الله تعالى ، ولا يقطعون على العفو عنهم ولا على تعذيبهم ، ويحتجون بقوله تعالى : ( وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِم ) [ التوبة : 106] ، يقال : أرجوا وأرجئوا بالهمزة والتخفيف ، فسموا المرجية .
هذا مجمل الآراء حول أصل تسميتهم : مرجئة أو مرجية ، وكلا التسميتين جائز ، وإن كان الأول أحق من جهة الاشتقاق اللغوي .
· أهم فرق المرجئة : ذكر الأشعري في مقالاته أنهم : اثنتا عشرة فرقة ، ويذكر البغدادي أنهم خمس فرق ، ويوافقه الإسفراييني ، وكذلك الرازي ، أما الشهرستاني فيذكر منهم ست فرق ، وسنعرض لفرقهم كما وردت في ( مقالات الإسلاميين ) للأشعري وهي :
1- اليونسية : أصحاب يونس بن عون النميري : يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له ، وترك الاستكبار عليه والمحبة له ، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن ، وما سوى ذلك من الطاعة فليس من الإيمان ، ولا يضر تركها حقيقة الإيمان ، ولا يعذب على ذلك إذا كان الإيمان خالصًا ، واليقين صادقًا ، وزعموا أن إبليس كان عارفًا بالله ، غير أنه كفر باستكباره على الله : ( أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) [ البقرة : 34] .
ومن تمكن في قلبه الخضوع لله والمحبة له على خلوص ويقين لم يخالفه في معصية ، وإن صدرت منه معصية فلا تضره بيقينه وإخلاصه ، والمؤمن إنما يدخل الجنة بإخلاصه ومحبته لا بعمله وطاعته
2- العبيدية : أصحاب عبيد المكتئب ، حكي عنه أنه قال : ما دون الشرك مغفور لا محالة ، وإن العبد إذا مات على توحيده لا يضره ما اقترف من الآثام واجترح من السيئات ، وحكى اليمان عن عبيد هذا وأصحابه أنهم قالوا : إن علم الله تعالى لم يزل شيئا غيره ، وأن كلامه لم يزل شيئًا غيره ، وكذلك دين الله لم يزل شيئًا غيره ، وزعم أن الله – تعالى عن قولهم – على صورة إنسان ، وحل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق آدم على صورة الرحمن ) .
3- الغسانية : أتباع غسان الحرمي المرجئ ، وقد زعموا : أن الإيمان إقرار بالله ومحبة لله وتعظيم له ، وهو يقبل الزيادة ولا يقبل النقصان ، على خلاف ما قاله أبو حنيفة ، رحمه الله ، حيث قال : لا يزيد ولا ينقص ، وقالوا : كل خصلة من خصال الإيمان بعض الإيمان .
وزعم غسان أن قائلاً لو قال : أعلم أن الله قد حرم أكل الخنزير ، ولا أدري هل الخنزير الذي حرمه ، هذه الشاة أم غيرها ؟! كان مؤمنًا ولو قال : أعلم أن الله تعالى فرض ا


