العناية بتربية الأبناء
بقلم: السيد عبد الحليم محمد
– 2-
حدثنا الكاتب في الجزء الأول من هذا المقال في العدد الماضى من المجلة عن قيمة الأولاد في الحياة وعن رعايتهم. وقد ذكر من عناصر هذه الرعاية: الاشباع العاطفى والجسمى،وغرس المبادئ الدينية والفضائل منذ الصغر، والعدالة في المعاملة.
ويستكمل الموضوع في هذا المقال حيث يحدثنا عن باقى عناصر الرعاية وهى: اختيار أصدقاء الأولاد، ومصادقتهم في مرحلة المراهقة.
رئيس التحرير
4- اختيار أصدقاء الابن والبنت:
ولقد جاء في الحديث الصحيح: ” المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” هذه دعوة إسلامية لاختيار الأصدقاء في هذه الحياة التى تموج بالفتن والأهواء، وإن كان الحديث يدعونا إلى اختيار الأصدقاء عامة فمن الأجدر والأولى أن نختار الصديق الصالح لأبنائنا وبناتنا.
فالإنسان دائمًا يتأثر بغيره، وأقوى مؤثر فيه أصدقاؤه.
لذلك ضرب له صلى الله عليه وسلم المثل في قوله: ” مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير، فبائع المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، أو تجد منه ريحًا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشم منه رائحة خبيثة”. فإذا كان الصديق الصالح له هذه المكانة الطيبة، من إعطاء الأخلاق السامية، والمثل العليا الرفيعة، فينبغى أن نبحث عنه، حتى يكون لأولادنا أخًا وصديقًا ومرشدًا. وأما قرناء السوء الذين يصاحبون أبناءنا فإنهم يزجون بهم في أحقر الأمور، وأخس الصفات، ويؤثرون في أخلاقهم وميولهم مما يحرمنا النتاج الصالح، والغرس الطيب، والثمرات الناضجة من أبنائنا.
عن المرء لا تسأل وسل عن صديقه فإن القرين بالمقارن يقتدى
وترك أبنائنا في الشوارع والطرقات، دون الاعتناء بهم، والنظر في أصدقائهم، وخلانهم، يعرضهم للضياع الخلقى والفكرى، ويورثهم عادات وتقاليد تتنافى مع عادات وتقاليد الأسر الصالحة، ويعلمهم القذف والسب واللعن، وحماقات الأخلاق مما يجعلهم يؤذون آباءهم وأمهاتهم، ولا يرعون إلاً ولا ذمة. ومحاسبة الأولاد منذ الصغر على ما يأخذون وما يدعون، وما يصادقون ويتركون، وفي كل ما يفعلون، وحسن رعايتهم في هذه الأمور، يوجههم التوجيه السليم، ويأخذ بأيديهم إلى الطريق المستقيم.
أما تركهم هملاً بلا محاسبة ولا مساءلة فإنه يؤدى بهم إلى الهوان والضياع، فنخسر أبناءنا، ثم نبكى ونقول: إن أبناءنا لا يحترموننا، وإن تفكيرهم يخالف تفكيرنا، واتجاههم يخالف اتجاهنا، ونحن السبب في كل ذلك. لأنه كان قطعة لينة هشة في يدنا نشكلها كيف شئنا، نستطيع أن نزرع فيها الحب أو الكراهية، ونستطيع أن نجعل منها إنسانًا سوى الطبيعة، عف اللسان، كريم الخلق، ونستطيع أن نصنع منها شيطانًا رجيما، يملأ الدنيا ظلمًا وزورا، وبهتانًا وإثمًا كبيرا. وواجبنا ألا نترك أولادنا نهبًا للضياع تتقاذفهم أمواج الفتنة، ويزج بهم قرناء السوء في كل مهوى يبعدهم عن تعاليم دينهم السمح، وتقاليد أهلهم الصالحة..
أخى المسلم: رب ولدك صغيرا، وقومه طفلا، يخرج إلى الحياة رجلاً يعرف قيمه وخلقه، وربه ودينه وحق أسرته ومجتمعه. واتل على مسامع ولدك قول اللَّه تعالى: {الأَخِلاَء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} حتى يتبصر في اختيار قرنائه الذين يصلحون ويعينونه على الحق، ويذكرونه به، ويأخذون بيده إليه. وينأى عن صحبة السوء الذين يفسدون ولا يصلحون، ويضرون ولا ينفعون.
5- مصادقة في مرحلة المراهقة:
ولدك وهو صغير في حاجة إلى فكرك وتوجيهك، تغذيه وتنميه وتأخذ بيده إلى بر السلامة،وشاطئ النجاة، حتى إذا نما عوده، وصلب عموده، واستقام تفكيره، ونضج تعبيره، وظهرت آماله وتطلعاته، وتفتق ذهنه على علوم عصره، وجب عليك ألا تهدم كيانه،وألا تقلل من شأنه وألا تستبد بالأمر والنهى فيه، بل تطويه تحت جانبك بحلاوة لفظك، الذى يرفع من قيمته،ويعلى من مكانته فتعامله معاملة الصديق، الذى يستشير ولا يأمر، وينصح ولا يزجر، لأنه قد فارق فكر الطفولة، إلى تطلعات الغد، واستنكاره الغامض المجهول، وطبيعه هذه المرحلة التى يقف فيها أبناؤنا على مفارق الطفولة والرجولة، تقتضيه أن يعبر عن نفسه، وعن شعوره وإحساسه، وأن يثور على ما كان متوارثًا في نظره، من نظم وتقاليد، وأن يثبت رجولته، ونضوج فكره، وأن يكون له رأيه وكلمته، وحريته في التعبير عنها،وواجب الآباء آنذاك أن يصطحبوا أبناءهم في هذه السن التى تموج بالتقلبات، ولا تستقر- في غالب الأحيان- على حال، وأن يكونوا أطباء لنفوسهم يعالجون بالحسنى، ويخرجونهم من الأمواج المتلاطمة برفق وأناة، فلا يهدم تفكيره ولا يحقره، وإنما يعدل ما شذ منه وانحرف بالقول الطيب، والإقناع المثمر، الذى يهدئ من ثورته، ويرجعه عن غيه وضلالته، فيشعر بالطمأنينة والأمان، وبقيمته في مجتمعه، بما يقبل من آرائه، ويعتد به من أقواله، فتنمو ملكاته في الخير، حتى تثمر ثمارًا ناضج


