العلم فى الإسلام
بقلم على إبراهيم محمد
مدرس مساعد بقسم أصول اللغة
شرف الله العلم والعلماء بأن جعل أول ما نزل من القرآن الكريم أمراً بطلب العلم فقال تعالى : ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ” (الآية 1 : العلق) . وهذا منتهى التشريف للعلم والعلماء أن يكون أول حرف فى الدين هو أمر بالقراءة وطلب العلم .
ولم يكتف القرآن بهذا الأمر فى الحث على طلب العلم بل توالت بعد ذلك الآيات .
قال تعالى : ” .. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ” الآية ( سورة طه : 114 ) .
وقال تعالى : ” .. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ” من الآية ( سورة المجادلة : 11 ) ، ذكر ابن كثير رضى الله عنه فى تفسير هذه الآية الكريمة أن نافع بن عبد الحارث لقى عمر بن الخطاب بعسفان وكان عمر استعمله على مكة فقال له عمر : من استخلفت على أهل الوادى ؟
قال : استخلفت عليهم ابن أبزى رجل من موالينا فقال عمر : استخلفت عليهم مولى ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض قاض . فقال عمر رضى الله عنه أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : ” إن الله يرفع بهذا الكتاب قوماً ويضع به آخرين ” (1) .
ولقد شرف الله العلم والعلماء بأن جعل العلماء إلى جواره مع الملائكة المقربين من حيث قيمة شهادتهم فقال تعالى : ” شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” الآية ( سورة آل عمران : 18 ) .
وكما اهتم القرآن الكريم بالحث على طلب العلم اهتم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له ” (2) .
وعن أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع ” (3) .
وعن ابى الدرداء رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” من سلك طريقاً يبتغى فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض حتى الحيتان فى الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ” (4) .
هذا الحديث وغيره وكثير من الأحاديث يدعو إلى العلم وإلى طلبه وإذا نظرنا إلى الصحابة وجدناهم اهتموا بالعلم وتفوقوا فى أفرعه حتى أثر عن كل واحد منهم تفوقه فى فرع من فروعه فقد ورد فى الأثر أن أبا بكر رضى الله عنه أعلم الصحابة بالله وأتقاهم له .
وأن عمر رضى الله عنه أعرفهم بالسياسة ومصالح الخلافة .
وعلى بن أبى طالب أحكمهم فى القضاء والبلاغة .
وزيد بن ثابت أفرضهم فى علم المواريث .
ومعاذ بن جبل أعلمهم بالحلال والحرام .
وأبا ذر الغفارى أصدقهم لهجة .
وأبى بن كعب أقرأهم للقرآن .
وعبد الله بن عباس أعلمهم بتأويل القرآن الكريم (5) .
وكيف لا يهتمون بالعلم وقد قال الحق تعالى شأنه : ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” الآية ( الزمر : 9 )
وقال النبى صلى الله عليه وسلم : ” لا حسد إلا فى اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته فى الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها ” (6) .
” والمراد بالحسد هنا : الغبطة وهو أن يتمنى مثله ” (7) .
وفى العلم يقول الشاعر :
فُــز بعلم تحيا به أبــداً
فالناس موتى وأهل العلم أحياءُ
ويقول الشاعر :
العلم أنفس شىء أنت داخــره
من يدرس العلم لم تدرس مفاخره
أقبل على العلم واستقبل مقاصده
فأول العلـم إقبــال وآخـره
ويقول آخر :
تعلم فإن العلم أزين للفتى
من الحلة الحسناء عند التكلم
أسأل الله العظيم أن يرزقنا علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً إنه نعم المولى ونعم النصير .
على إبراهيم محمد
مدرس مساعد بقسم أصول اللغة
جامعة الأزهر
(1) أخرجه مسلم ( 817/269 ) .
(2) أخرجه مسلم ( 1631/14 ) نحوه .
(3) أخرجه الترمذى والدارمى وسنده ضعيف ، وقد ثبت معناه من حديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم : ” من جاء مسجدى هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد فى سبيل الله ، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره ” وقد أخرجه ابن أبى شيبة ( 12/309 ) ، وابن ماجه ( 227 ) وأحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وغيرهم .
(4) أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه ( 223 ) وصححه ابن حبان ، وفى سنده اختلاف ، وله طريق أخرى عند أ


