الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

السيرة النبوية

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب السيرة
وقفات مع القصة في كتاب الله
دروس من قصة آدم
بقلم فضيلة الشيخ عبد الرازق السيد عيد

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
فإن عداوة الشيطان لبني الإنسان قديمة ومستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
أما كونها قديمة : فمنذ خلق الله آدم وكرَّمه ، وأمر الملائكة – ومعهم إبليس بالسجود لآدم – منذ هذه اللحظة : دب الحسدُ في قلب إبليس ، وملأه غيظًا على آدم ، وَعَلِمَ الله ذلك من قبل أن يعلمه آدم ، ولذا حذر الله سبحانه آدم وزوجه من عدوَّه وعدوهما 🙁 فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى )[طه : 117] .‏( وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ )[الأعراف :22] .
أما كونها مستمرَّة : فهذا أمر مركوز في الفطرة لا يُنكره إلا من انتكست فِطَرُهم انتكاسًا شديدًا ، وقد صَرَّح به اللعين نفسه ، وتوعد وتهدد ، بعد أنْ باتَ مطرودًا من رحمة الله : ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ) [الإسراء :62] .
انظر كيف بدت البغضاء في قوله ، وما يُخفي صدرُه أكبر ، وكيف عبَّر بقوله : ( لَأَحْتَنِكَنّ ) ، و فيها : إشارة إلى شدَّة كيْده ، وكثرة انقياد بني آدم إلا قليلاً خلفه ، كما تنقاد الدَّابة من خطامها خلف صاحبها .
وقد عبًّر في موقع عن هذا فقال : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16)
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )[الأعراف : 16 ، 17] ، هكذا اشتعلت نار الحسد في قلب إبليس ، وأعلن بوضوح تربُّصَه ليس بآدم وحده ؛ بل بذريته جميعًا ، وأنه سيدخُل عليهم من كل باب ، ويأتيهم من كل طريق لصدَّهم عن دين الله ، الحق المستقيم ، ولخطر الشيطان ، ودقة تلبيسه على الناس ، وكثرة مداخله عليهم ، حذرنا اللهُ منه ، كما حذَّر أبانا من قبل : ( يَابَنِي ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ )[الأعراف : 27] .
فالعاقل من اعتبر بغيره ، واتعظ بمنْ سبق ، ومن هنا يلْفِتُ الله أنظارنا أن نعتبر بما حدث لأبينا آدم مع الشيطان ، وكيف استطاع اللعين أن يلبِّس الأمرَ على الأبوين – رغم تحذير الله لهما وقُرْب العهد في ذلك – وكيف كَذَبَ عليهما متعمِّدًا ، ودَخَل إليهما من نقْطَة الضَّعْفِ التي عَرفها فيهما .
وقد آن الأوان أن نتأمل الدرس ، ونستخلص منه العبرة .
( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ(21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ )[الأعراف : 20 : 22] .
فتأمل -رحمك الله – كيف جاء الشيطان في ثوب الناصح الأمين ، وهو العدو المبين ، وكيف كذب على الله باتهام شرْعِه ، حيث أمر الله آدم ألا يأكل من الشجرة ، فيأتي اللعين ويقول لآدم : لا ؛ بل كُلْ من الشجرة ، فإنَّ أكْلكَ منها هو : طريق الخلد ، فكذب كذلك على الأبوين ، وزيَّن لهما المعصية ، ومخالفة أمر الله ، وجعلها بابَ الملك والخلْدِ في حين أن المعصية‏ طريق الذلِّ والتردِّي والهوان ، لكن هكذا الشيطان وأعوانه يضلُّون الناس ، ويزينون الباطل لهم ، ويسمونه بغير اسمه : (بأنْ سمى تلك الشجرة : شجرة الخلد ، فهذا أول الكيد و المكر ، ومنه ورَّث أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحب النفوس مسمياتها ، فسموا الخمر : أم الأفراح – وهي أم الكبائر – وسموا أخاها – الحشيش والأفيون – : بلقيمة الراحة ، وسموا المكوس : بالحقوق السلطانية ، وسموا أقبح الظلم وأفحشه : شرع الديوان ، وسموا أبلغ الكفر وهو جحد صفات الرب سموه : تنزيهًا ، وسموا مجالس الفِسْق : المجالس الطيبة ، وسموا الربا : بالمعاملة ) .
وهذا الذي كان في زمن ابن القيم – رحمه الله – وما زال الشيطان بأتباعه يزين لهم ، ويحدث لهم في كل وقت فتنة ، فسموا الخمور : بالمشروبات الروحية ، وسموا الخلاعة والمجون : بالفنِّ ، وسموا الخروج على شرْع الله ، وتعطيل حكمه في الأرض بالتقدُّم والحريَّة وهكذا ، والشيطان في كل ما تقدم كا

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا