باب السنة
بقلم الرئيس العام / محمد صفوت نور الدين
السواك
أخرج البخاري ومسلم في ( صحيحيهما ) عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لولاأن أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك مع كل صلاة ) .
السواك سنة مؤكدة من سنن الدين كله ، وليس من سنن الوضوء أو الصلاة فحسب ، يدل على ذلك الأحاديث الكثيرة الواردة فيه الدالة على مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ليلاً ونهارًا ، وقد قام الإجماع على أنه مندوب .
قال الأوزاعي : هو شطر الوضوء ، وهو مستحب في جميع الأوقات .
قال النووي : لكن في خمسة أوقات أشد استحبابًا :
أحدها : عند الصلاة ، سواءً كان متطهرًا بماء ، أو بتراب ، أو غير متطهر ، كمن لا يجد ماءً ولا ترابًا .
الثاني : عند الوضوء .
الثالث : عند قراءة القرآن .
الرابع : عند الاستيقاظ من النوم .
الخامس : عند تغير الفم ، وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ، ومنها أكل ما له رائحة كريهة ، ومنها طول السكوت ، ومنها كثرة الكلام .
قال ابن منظور في ( لسان العرب ) : الأراك شجر معروف – وهو شجر السواك - يستاك بفروعه .
قال أبو حنيفة : هو أفضل ما استيك بفروعه من الشجر ، وأطيب ما رعته الماشية رائحة لبن .
قال أبو زياد : منه تتخذ هذه المساويك من الفروع والعروق ، وأجوده عند الناس العروق .
فانظر – رعاك الله – يذكر أن أجود السواك ما كان من جذور الأراك .
وفي ( دائرة معارف الشباب ) : الأراك شجيرة المسواك من الفصيلة الأراكية ، تنبت في وديان الصحاري ، أوراقها متقابلة تكسب لبن الماشية التي تأكلها رائحة طيبة ، ويتخذ من أغصانها وجذورها مساويك .
قال الشوكاني في ( نيل الأوطار ) : ويستحب أن يستاك بعود من أراك ، وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل السواك ، كالخرقة الخشنة والأشنان ، وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاغترار بشيء منها ، إلا أن يكون موافقًا لما ورد عن الشرع ، ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات ، حتى كاد يفضي ذلك إلى ترك هذه السنة الجليلة وإطراحها ، وهي أمر من أمور الشريعة ظهر ظهور النهار وقبله من سكان البسيطة أهل الأنجاد والأغوار .
يقول شيخ الإسلام : السواك تطييب للفم الذي هو محل الذكر والمناجاة ، وإزالة ما يضر الملائكة من بني آدم ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم .
ويقول ابن حجر : وإنه لا يختص بالأسنان ، وأنه من باب التنظيف والتطييب لا من باب إزالة القاذورات ؛ لكونه صلى الله عليه وسلم لم يختف به ،
وبوبوا عليه ( الاستياك بحضرة الرعية ) .
وكلام ابن حجر هذا يبين سبب خلاف العلماء في موضعين :
الأول : هل يفضل أن يستاك بيمينه أو بيساره ؟
والثاني : هل يستاك أمام الناس أم يختفي ؟
وذلك أنه لو كان من باب إزالة القذر ، فالأفضل استخدام يسراه ، وذلك ما دافع عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، وفصل فيه طويلاً .
ومما قاله : الأفضل أن يستاك باليسرى ، نص عليه الإمام أحمد في رواية ابن منصور ، ذكره عنه في مسائله ، وما علمنا أحدًا من الأئمة خالف في ذلك ، وذلك لأن الاستياك من باب إماطة الأذى ، وذلك باليسرى ، كما أن إزالة النجاسات كالاستجمار ونحوه باليسرى ، وإزالة الأذى واجبها ومستحبها باليسرى ، ثم أخذ يناقش طويلاً ؛ يدلل على تفضيل اليسرى في السواك . [ راجع ( مجموع الفتاوى) جـ21 ، ص28 ، وما بعدها] .
وفي ( الموسوعة الفقهية) قال : يندب إمساك السواك باليمني ؛ لحديث عائشة ، رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره ، وفي شأنه كله .
بينما قال في ( الموسوعة ) أيضًا : لا يستحب الاسيتاك بحضرة الجماعة ؛ لأنه ينافي المروءة ، ويتجنب الاستياك في المسجد وفي المجالس الحافلة .
أما الشيخ العلامة ابن عثيمين – حفظه الله تعالى – فيقول : الأمر في ذلك واسع ، فيستاك كما يريد ؛ لأنه ليس في المسألة نص واضح ، ثم فصل الأمر على ثلاثة أقوال ، الثالث منها : إن تسوك لتطهير الفم ، كما لو استيقظ من نوم ، أو لإزالة أذى ، فيكون باليد اليسرى ؛ لأنه إزالة الأذى ، وإن تسوك لتحصيل السنة فيكون باليمنى .
هذا ، وما ذكره الشوكاني ونقلناه من أنه يتبع من هذه الأقوال ما قامت عليه الأدلة ، والله أعلم .
وفي الحديث : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم … ) فيه دليل على أن الأمر للوجوب ، وهو مذهب أكثر الفقهاء وجماعات من المتكلمين وأصحاب الأصول .
يقول القرطبي في ( المفهم ) : أي لأوجبت ذلك عليهم ، عبر بالأمر عن الوجوب ؛ لأنه الظاهر منه ، وهل المندوب مأمور به أو لا ؟ اختلف في ذلك أهل الأصول ، والصحيح أنه مأمور به ؛ لأنه قد اتفق على أنه مطلوب مقتضى ، كما قد حكاه أبو المعالي ، وهذا الحديث نص على أن السواك ليس بواجب .
قال الشافعي في (


