الركائز الأساسية لطالب العلم
بقلم الشيخ
وحيد عبد السلام بالي
نحمد الله الكريم العلي ، ونصلى ونسلم على النبي الأمي ، ونترضى على الصحب وبعد :
فقد تجولنا في الحلقة الأولى حول ثلاث ركائز عليها ترتكز حياة طالب العلم ، وهي : إخلاص النية ، وحسن الظاهر ، وأكل الحلال ، ثم أردفناها بثلاث أخر في الحلقة الثانية وهي : مجانبة الشِّبع ، والتدرج في العلم ، وأسس اختيار الشيخ .
واليوم – إن شاء الله تعالى – نختم المطاف ، وننهي الطواف بثلاث أخيرة ، وهي ما بقي في الجعبة ، وما فضل في القِربة ، نبثها على عجل ، وننشرها على أمل ، لنجمع بن العلم والعمل .
الركيزة السابعة : الأدب مع الشيخ :
1- توقير الشيخ :
صلى زيد بن ثابت – رضي الله عنه – على جنازة ، ثم قُرِّبت له بغلة ليركبها ، فجاء ابن عباس ، فأخذ بركابه ، فقال له زيد : خلّ عنه يا ابن عم رسول الله ، فقال ابن عباس : هكذا يفعل بالعلماء .
وعن المغيرة قال : كنا نهاب إبراهيم النخعي ، كما يُهاب الأمير .
وعن أيوب قال : كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث سنين ، فلا يسأله عن شيء هيبة له .
وعن إسحاق الشهيدي قال : كنت أرى يحيى بن سعيد القطان يصلي العصر ، ثم يستند إلى أصل منارة المسجد ، فيقف بين يديه : علي بن المديني ، والشاذكوني ، وعمرو بن علي ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهم ، يسألونه عن الحديث – وهم قيام على أرجلهم – إلى أن تحين صلاة المغرب ، لا يقول لواحد منهم اجلس ، ولا يجلسون هيبة له وإعظاما .
ويقال إن الشافعي – رحمه الله – عوتب على تواضعه للعلماء فقال :
أهينُ لهم نفسي فهم يُكرمونها
ولن تُكرمَ النفسُ التي لا تُهينُها
2- على طالب العلم أن يُجلَّ شيخه ، ويستر عيبه ، ويدعو له .
3- على طالب العلم ألا يخاطب شيخه باسمه ، ولا يذكره في غيبته إلا مقرونًا بما يشعر توقيره كقوله : قال الشيخ ، أو قال شيخنا حفظه الله ، أو قال الأستاذ وهكذا .
4- وعلى الطالب أن يصبر على جفوة تحدث من شيخه ، أو سوء خلق ، ولا يصده ذلك عن ملازمته ، بل يعتذر إليه ويجعل العُتْبَ عليه ، فإن ذلك أبقى لمودة شيخه ، واحفظ لقلبه ، وأنفع للطالب في دنياه وآخرته .
وقد قيل : من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهل ، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة .
اصبر على مُرِّ الجفا من معلم
فإن رسوخ العلم في نفراته
ومن لم يذق مُرِّ التعلم ساعة
تجرَّع ذُل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليمُ وقت شبابه
فكبرِّ عليه أربعًا لوفاته
5- وليحذر طالب العلم أشد الحذر أن يماري أستاذه ، فإن المراء شر كله ، وهو مع شيخه وقدوته أقبح ، وهو سبب للحرمان من كثير من العلم .
قال ميمون بن مهران – رحمه الله – : لا تمار من هو أعلم منك ، فإن فعلت خُزن عنك علمه ، ولم تضره شيئًا .
وعن الزهري – رحمه الله – قال : كان سلمة يماري ابن عباس ، فحُرم بذلك علمًا كثيرًا .
6- وإذا نبهه الشيخ على دقيقة من أدب ، أو نقيصة صدرت منه ، وكان يعرفها من قبل ، فلا يُظهر أنه كان عارفًا بها وغفل عنها ، بل يشكر الشيخ على إفادته ذلك ، واعتنائه بأمره .
7- إذا جاء الطالب فألفى الشيخ نائمًا فلا ينبغي له أن يستأذن عليه ، بل يجلس ينتظر استيقاظه ، أو ينصرف إن شاء .
قال عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – : كان يبلغني الحديث عن الرجل ، فآتى بابه وهو قائل – نائم بالقيلولة – فأتوسد ردائي على بابه يُسفي الريح عليَّ من التراب ، فيخرج فيقول : يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك ؟ فأقول : أنا أحق أن أتيك ، فأسأله عن الحديث .
8- وينبغي لطالب العلم أن يتأدب أثناء الدرس ، فلا يسبق الشيخ بشرح مسألة أو جواب أو سؤال ، ولا يكثر من العبث أو الالتفات .
الركيزة الثامنة : الثبت في الفتيا :
ينبغي لطالب العلم أن يعلم أن الفتوى في الدين مسئولية عظيمة ، فعليه أن يدفعها عن نفسه إن استطاع إلى ذلك سبيلاً ، صيانة لنفسه ، وإبقاء لدينه .
قال البراء – رضي الله عنه – : لقد رأيت ثلاثمائة من أصحاب بدر ما فيهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتيا .
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : لقد أدركت عشرين ومائة من الأنصار ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا ، حتى ترجع إلى الأول .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : من أفتى الناس في كل ما يُسأل عنه فهو مجنون .
وسئل القاسم بن محمد بن أبي بكر عن شيء ، فقال : لا أحسنه ، فقال السائل : إني جئت إليك لا أعرف غيرك ، فقال القاسم – وهو أحد الفقهاء المشهورين – : لا تنظر إلى طول لحيتي ، وكثرة الناس حولي ، والله ما أحسنه ، فقال الشيخ من قريش جالس إلى جنبه : يا ابن أخي الزمها ، فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم ، فقال القاسم : والله لأن يقطع لساني أحب إليَّ من أن أتكلم بما


