الركائز الأساسية لطالب العلم الحلقة الثانية
بقلم الشيخ
وحيد عبد السلام بالي
الحمد لله حمدًا حمدًا ، والشكر له شكرًا شكرًا ، وبعد مضى بنا التطواف حول الثلاث الركائز الأولى لطالب العلم في العدد الماضي ، وهي إخلاص النية ، وطهارة الظاهر ، وأكل الحلال ، واليوم الموعد لإكمال بعض تلك الركائز لنسير على أسس ، ونمضي على يقين ، ونعمل على بينة .
4- الركيزة الرابعة : مجانبة الشبع : ينبغي لطالب العلم أن يخفف من المطعم والمشرب ، لأن البطن إذا امتلأ تبلد الذهن ، وكسل الجسم ، وقل الحفظ ، ونقص الفهم ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إياكم والبطنة ، فإنها ثقل في الحياة ، نتن في الممات .
وقال لقمان لابنه : يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة .
وقد قيل : مت شبع عليه في ست آفات :
1- فقد حلاوة المناجاة .
2- تعذُّر حفظ الحكمة .
3- حرمان الشفقة على الخلق .
4- ثقل العبادة .
5- زيادة الشهوات .
6- كثرة التردد على الخلاءات .
وقال محمد بن واسع رحمه الله : من قل طعمه فهم وأفهم ، وصفا ورق ، وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد .
وقال عمرو بن قيس رحمه الله : إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب .
وقال الشافعي رحمه الله : الشبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة .
وقال سحنون رحمه الله : لا يصلحُ العلمُ لمن يأكل حتى يشبع .
5- الركيزة الخامسة : البداية في العلم والتدرج منه :
ينبغي للطالب أن يراعي في هذا الباب أمرين :
الأول : البداية .
الثاني : طريقة التعلم
البداية :
1- أن يبدأ بأهم العلوم وأساسها وهو كتاب الله تعالى فيحفظه على يد شيخ متقن ، ويجوده ، ويثبته ، حتى يتمكن منه .
2- ثم ينتقل إلى السنة فيحفظ فيها مختصرًا جامعًا لأحاديث صحيحة مثل ( اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ) أو ( مختصر صحيح البخاري ) ( أو مختصر مسلم ) فإن كان ضعيف الهمة فليقتصر على حفظ ( عمدة الأحكام ) للحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله .
3- ثم ينتقل إلى علم التوحيد فيحفظ فيه مختصرًا نافعًا جامعًا لعقيدة أهل السنة والجماعة مثل ( العقيدة الطحاوية ) أو ( الواسطية) فإن كان ذا ميل للنظم فليحفظ ( سلم الوصول ) للشيخ أحمد حكمي رحمه الله .
4- ثم ينتقل إلى علم الفقه فيحفظ فيه مختصرًا نافعًا جامعًا لما أجمعت عليه الأمة مثل رسالة ( الإجماع ) لابن المنذر رحمه الله ، أو رسالة لما اتفق عليه جمهور الأمة مثل ( الدرر البهية ) للشوكاني رحمه الله تعالى .
5- ثم ينتقل إلى السيرة النبوية فيحفظ فيها مختصرًا نافعًا مثل ( الفصول في اختصار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ) لابن كثير رحمه الله ، أو ( جوامع السيرة ) لابن حزم رحمه الله .
6- ثم ينتقل إلى اللغة العربية فيحفظ فيها مختصرًا جامعًا لقواعدها مثل ( شذور الذهب ) لابن هشام رحمه الله فإن كان قاصر الهمة فليقتصر على حفظ ( المقدمة الآجرومية ) .
7- ثم يحفظ مختصرًا في مصطلح الحديث مثل ( نخبة الفِكَر ) لابن حجر رحمه الله .
8- ثم يحفظ مختصرًا في أصول الفقه مثل ( الورقات ) للجويني رحمه الله تعالى ، فإذا جمع من كل علم بطرف ، وتعلق من كل فن بسبب ، فليختر له علمًا يتخصص فيه ، ويواصل ، ويبحث فيه ويدأب ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) [ البقرة : 148] .
طريقة التعلم :
1- أن تهتم بالحفظ في بداية الطريق فهو الأساس .
2- إياك والتفرع من البداية ، فإنه عطب .
3- لا تنتقل من علم إلى علم حتى تضبطه .
4- أن تتدرج داخل العلم الواحد ، فتبدأ بالأسهل ، فالمتوسط ، فالعالي ، وإياك والقفز فإنه مهلكة .
5- ألا تنشغل عن القرآن بغيره في بداية الطريق .
قال الشافعي رحمه الله :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة
وسوى الحديث وسوى الفقه في الدين
6- ألا تعتمد على نفسك في التعلم والتأصيل فإنه مزلة قدم ، وعثرات فهم ، ولكن عليك بالدراسة على أهل العلم ، كما كان السلف رحمهم الله يفعلون ، وقد قيل : من دخل في العلم وحده ، خرج وحده .
7- الركيزة السادسة : اختيار الشيخ :
الأصل في التعلم هو الدراسة على الشيوخ ، والتتلمذ على يد العلماء وقراءة الكتب على المتقنين ، فيوضحون للطالب غوامضها ، ويقربون بعيدها ، ويسرون مشكلها ، فيفهمها على وجهها .
وما ظهر هذا التمزق الفكري ، والتشتت الدعوي ، والانقسام الحركي إلا بعد ظهور طلاب الكتب ، وتلاميذ الصحف ، فأصبحت ترى الفهم الأعوج ، والفتاوى الشاذة ، والتعالم المقيت ، والجرأة على العلماء بغير دليل رشيد ، ولا فهم سديد .
ورحم الله الشافعي إذ يقول : من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام ، فإذا تبين هذا فعلى طلب العلم أن يختار الأعلم والأورع والأسن ، ليأخذ كل علم من أهله ولو رحل إليه ، وقطع المفاوز للجلوس بين يديه فإنه سنة ماضية ، وطريقة سلفية ،


