الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

الدولة الدسوقية البرهانية الجديدة

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

الدولة الدسوقية البرهانية الجديدة
بقلم فضيلة الشيخ محمد جمعة العدوى

الحلقة الرابعة
لكى يسبغ ( الدراويش ) على رجالهم القداسة والتأله فإنهم يختلقون روايات عن معجزات وكرامات ينسبونها إليهم.. يتركون فيها لخيالهم العنان، فيتصورون من أحداثها ما يشاء.. فإذا لم يسعفه الخيال فإنه يعمد إلى بعض كتب التراث لينقل عنها، فربما يضيف إلى الحادثة ما يراه ملائمًا.. أو ينقص ما قاله شيئا، لتأتى الأحداث بعد ذلك ( محبوكة على مقاس ) الدرويش.. لكن هذا الناقل ينسى أن للناس عقولاً تستطيع بها أن تكشف زيفه وباطله.
وكتاب ( سيدى إبراهيم الدسوقى ) محشو بمثل هذه ( الكرامات ) بل أن فيه أشياء يتحرج الخيال أن يقولها ويحكيها….. من ذلك ما يرويه الكتاب فيقول: كلف أحد الأغنياء الظلمة أحد مريدى القطب الكبير بحلج كمية من القطن دون مقابل، فاعتذر له المريد بعدم الاستطاعة، وظن أنه لو أخبره بأنه من أتباع الشيخ الدسوقى فإنه ينصرف عنه، أو يخفف عنه تكريمًا للشيخ الكبير.. لكن الرجل كان قاسيًا ظالمًا لا يعترف بولى، فكانت النتيجة عكسية، إذ زاد له الرجل في الكمية المطلوبة، وطالبه بحلجها في أسرع وقت قائلا: ادع شيخك يساعدك. فعاد المريد منكسر الخاطر يائسا، فرأى الشيخ وهو يقول: قد حملنا حلج القطن عنك، فلما استيقظ وجد القطن محلوجا.
ولن نناقش إمكان حدوث ذلك من الدسوقى بالنسبة لمريده أو عدم إمكانه، ولكننا سنبين مدى التزييف الموجود في هذه القصة حتى يستشعر القارئ أنها مختلقة.
فالمعروف أن القطن لم يزرع في مصر إلا في أيام ولاية محمد على عام 1805، حين اكتشف زراعته أحد المهندسين الأجانب الذين استبقاهم محمد على بعد الحملة الفرنسية على مصر.. وكانت الناس تنظر إليه على أنه ( نبات للزينة ).. فجاء هذا المهندس وطوره من الناحية العلمية، وأقنع محمد على بزراعته في مصر… أما وجه الكذب الموجود في القصة.. فهو أن ( المعجزة الدسوقية ) تؤكد إلى وجود زراعة القطن بكميات هائلة في مصر قبل هذا التاريخ، وأنه كان موجودًا أيام الدسوقى… والدسوقى كما قال في هذا الكتاب ولد بالديار المصرية في سنة 653 هجرية وهى التي توافق 1255 ميلادية. ومعنى ذلك أن القطن كان موجودًا في مصر منذ 550 عامًا.. فهل نكذب التاريخ العلمى المؤكد الذي يقول: إن زراعة القطن لم تدخل مصر إلا في عهد محمد على عام 1805م.. أم نصدق ما قرره الدراويش من أن زراعة القطن كانت في مصر قبل هذا التاريخ؟
واسمع هذا التعليق الغريب من الدسوقى لمريديه عن هذه الحادثة يقول: ( لو كان أحدهم- يقصد أتباعه- بالمشرق وأنا بالمغرب، وضاقت عليه الأرض برحبها وطلبنى لا يحجبنى عنه قبضة التراب الذي بينى وبينه فها أنا واقف بين يديه )… أى أن الدسوقى أقرب إلى مريديه من حبل الوريد… وإذن.. فلا بد أن يوقف الناس دعاءهم لله وتضرعهم له ما دام الدسوقى ( سيجيب المضطر إذا دعاه ) والدليل على ذلك.. حادثة حلج القطن.
وعن التبشير بظهوره وولايته قيل: أن العارف باللَّه ( محمد بن هارون ) كان من كبار العارفين باللَّه في وقته بقريته ( سنهور ) بالقرب من دسوق، وكان إذا رأى والد إبراهيم الدسوقى قام له وعظمه. وعندما سألوه عن السبب قال لهم: إن في ظهره وليا يبلغ صيته المشرق والمغرب، ثم ما لبث أن ترك ذلك- يعنى القيام له- بعد حين فسئل: لماذا لا تقوم لأبى المجد وتعظمه كما كنت تفعل، هل حدثا بينكما شيء؟ فقال: ما كان القيام له بل كان لبحر في ظهره وقد انتقل إلى زوجته.
والمتتبع لكتب التراث يجد أن واضع هذه المعجزة اقتبسها بتصريف من كتاب ( طبقات ابن سعد ) الذي تحدث عنه عبد اللَّه والد رسول اللَّه، وكيف تعرضت له امرأة قرأت نور النبوة في وجهه فقالت له: هل لك فيّ؟ قال: نعم. حتى أرمى الجمرة.. فأقبل إليها فلم ير منها من الإقبال عليه كما رآه منها أولا.. فقال.. هل لك فيما قلت لى؟ فقالت: لست بصاحبة ريبة، ولكنى رأيت نور النبوة في وجهك فأردت أن يكون في وأراد اللَّه أن يجعله حيث يجعله- أى في آمنة بنت وهب زوجة عبد اللَّه.
لكن واضع تلك البشارة، أراد بذكائه أن يغير نوعية الأشخاص، ويضيف إلى الأحداث شيئًا من خياله.. فانكشفت اللعبة أكثر.
ومن معجزاته المزعومة ما يروى أنه عندما وضعته أمه في الليلة التالية للتاسع والعشرين من شهر شعبان، اتفق وقوع الشك في هلال رمضان، فقال ابن هارون: اذهبوا واسألوه عن مولود أبى المجد- إبراهيم الدسوقى- هل رضع في هذا اليوم؟ فأخبرت والدته من سألها من الناس بأنه من الأذان فقد فارق ثديها، ولم يرضع إطلاقًا. وعندما ما نقلوا ذلك لابن هارون أرسل من يقول لها: لا تحزنى فإنه إذا غربت الشمس شرب. وعند ذلك أمر الناس بالإمساك بقية اليوم.
والمتأمل لهذه المعجزة يجد أنها تدعو إلى هجر سنة رسول اللَّه الذي قال: ” صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا “.. أما هؤلاء الدسوقية ف

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا