الدولة الدسوقية البرهانية الجديدة
بقلم فضيلة الشيخ محمد جمعة العدوى
الحلقة الثانية
إن الصوفية تقسم الأولياء إلى طبقات،ولكل طبقة (صفات ودوائر اختصاص) لا تتعداها، وأولهم (القطب) ومن الغريب في الأمر أنهم يضفون على هذا القطب صفات إلهية تلغي صفات اللَّه، فهم يقولون عنه: (هو من الكائنات بمثابة المهيمن عليها المكلف بحفظها ورعايتها) ويتجاهلون بذلك القرآن الذي ينسب الحفظ إلى اللَّه {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} {وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} {وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ}.
ومن صفات القطب عندهم صفة (العلم) فهم يقولون عنه أن له (علم البدء وهو العلم المحيط بكل علم وبكل معلوم بدءا من السر الأول إلى منتهاه).. ونلاحظ في صفة العلم عند القطب أنها صفة انكشاف، ينكشف بها لهذا القطب كل شيء من بداية الخليقة، ويعلم كل معلوم بدءا من السر الأول وهو اللَّه إلى نهاية هذا العلم… فهو إذن يعلم الماضى والحاضر والمستقبل، أي أنه لا يوجد معلوم لا يحيط به هذا القطب لأن العلم كله حسب قولهم (يعود إليه).. حتى عالم ما بعد الموت من ثواب وعقاب وجنة ونار.
ونلاحظ أن علم القطب نفسه هو علم اللَّه وأن اللَّه- بجوار ما يتصف به هذا القطب- لا يبقى له من صفات العلم أي شيء.. أو أن القطب هنا بمثابة المنازع لله فيما يعلم.. وهم بذلك يضربون بآيات القرآن الدالة على تفرد اللَّه بالعلم عرض الحائط {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} {قُل لاَ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} {وإنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}.
ويعرفون القطب بأنه (الذي غرق في تيار بحر الذات) ويقولون أن: (ابن بشيش.. كان يبدأ بالصلاة على هذا القطب).. وابن بشيش يعتبر مقام هذا القطب أعظم من مقام رسول اللَّه، ولهذا يبدأ بالصلاة عليه ويترك رسول اللَّه، لأن الرسول أقل مرتبة من هذا القطب.. وهذا يفيد أيضًا أن الأخذ عن القطب مقدم على الأخذ عن رسول اللَّه.. ويذكرنا ذلك بعقيدة اليهود التي تعتبر كلام (حاخاماتها) أفضل من كلام الأنبياء، جاء في كتاب يهودي اسمه (كرافت) مطبوع عام 1590 (اعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء).. وقد نصح الحاخام (روستى) إلى الالتفات إلى أقوال الحاخامات أكثر من الالتفات إلى شريعة موسى…
أما الطبقة الثانية من طبقات الأولياء فهم (الأئمة) وهم عند الصوفية لا يزيدون عن اثنين، وهما اللذان يخلفان القطب إذا مات، وهما بمنزلة الوزيرين، ووزارتهما خاصة بالإشراف على شئون الكون، فالإمام الأول عن اليمين ينظر في أمور الملكوت، والآخر عن يساره وهو الناظر في أمور الملك. وهذه المهمة للإمامين بمثابة تفويض إلهى من اللَّه مثل نواب الرئيس في عصرنا.. ونلاحظ في تصنيف هذه الطبقة أن الكون كله بين أيديهم ينظرون في أمره ولهم العلم الشامل لكل المخلوقات التي تعيش في السماوات والأرض.. وهذا لا شك تصور يهدم عقيدة التوحيد من أساسها، لأن هذا الأمر لا يخرج عن شيئين: إما أن اللَّه تنازل عن ملكه وهيمنته على هذا الكون لهذين الإمامين، أو أن اللَّه يستشيرهم في الأمر لأنهما متكافئان من حيث الصفات والقدرات.. وفي الحالتين معا.. فإن لله شريكًا في هذا الكون. ومثل هذا لا يصدر من مسلم يعلم أن عقيدة الإسلام أساسها (التوحيد) الخالص ونفى الشريك وأنه {مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} {لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}.
وهذا الاعتقاد الصوفى مأخوذ عن اليهودية التي تعطى (الحاخامات) مناصب إلهية تقتضى النقص من قدرة اللَّه وأن لهم هيمنة على هذا الكون. يقول التلمود: (اليهود يعتقدون أن لكل الحاخامات سلطة إلهية وكل أقوالهم صادرة عن اللَّه).
ماذا يمكن أن يبقى من الإسلام في ظل عقيدة الصوفية بعد أن هدموا أركان الإسلام ركنا ركنا.
ومن طبقات الأولياء (الأوتاد) وهم أربعة، ويقولون عنهم إنهم لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان، والغريب أن هؤلاء الأوتاد لهم أسماء وألقاب يتوارثونها لا تتغير بتغير الزمان والمكان، كأنما علم كل (وتد) منهم في بطن أمه أنه سيكون من الأوتاد، ولذلك يختار لنفسه- تلقائيا- اسمًا من هذه الأسماء، وهذه الأسماء هي: (عبد الحى، وعبد العليم، وعبد القادر، وعبد المريد) وقد قسموا فيما بينهم الكون تقسيمًا جغرافيا، على أن يتول كل منهم حفظ جهة من الجهات ورعايتها.. واحد يتولى المشرق وكذلك المغرب والشمال والجنوب، ومن الغريب أنهم يبيحون ولاية المرأة لإحدى تلك الجهات.
وهنا نتوجه للصوفية بسؤال


