من روائع الماضي
الدعاء
كتبه الشيخ / عبد الله أمين (رحمه الله) .
للدعاء مَعَان ، منها النداء ، تقول : دعوت محمدًا : إذا ناديته وطلبت إقباله عليك .
والتسمية تقول : دعوت المولود حسنًا : إذا سميته حسنًا ، والحثُّ على الشيء ، تقول : دعوته للجهاد : إذا حثثته عليه ، والسؤال والاستغاثة ، تقول :
دعوت الله : إذا ضرعت إليه وسألته واستغثته .
والمقصود بهذا المقال من هذه الأدعية دعاء : السؤال والاستغاثة .
وقد ورد ذكر ( الدعاء ) بهذا المعنى في آيات من القرآن الكريم كثيرة ، منها : ( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون ) [ غافر : 14] ، ومنها : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [ غافر : 60] ، ومنها : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ) [ البقرة : 186] ، ومنها : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55)وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) [ الأعراف : 55 ، 56] ، ومنها : ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) [ الإسراء : 110] .
والدعاء بمعنى السؤال والاستغاثة يدل على ذلك قوله تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
فإن أئمة المفسرين يكادون يجمعون على أن المراد بالدعاء في هذه الآية : هو العبادة .
قال الفخر الرازي في تفسيرها : ولما كان أشرف أنواع الطاعات الدعاء والتضرُّع : لا جرم أمر الله تعالى به في هذه الآية ، فقال : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، واختلف الناس في المراد بقوله : ( ادْعُونِي ) ، فقيل : إنه الأمر بالدعاء ، وقيل : إنه الأمر بالعبادة ، بدليل أنه قال بعده : ولولا أن الأمر بالدعاء مطلق العبادة لما بقى لقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) معنى .
وأيضًا الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ، كقوله : ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا ) [ النساء : 117] .
وقال النسفي في تفسيرها (4/ 63) : ( ادْعُونِي ) : أعبدوني : ( أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) : أثبكم .
فالدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ، ويدل عليه قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ) . وقرأ هذه الآية .
وفي ( روح المعاني ) للآلوسي (7 / 461) فيها : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ؛ أي اعبدوني أثبكم على ما روى ابن عباس والضحاك ومجاهد وجماعة .
وفي ( الكشاف ) (3/ 276) في تفسيرها : ( ادْعُونِي ): اعبدوني ، والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ، ويدل عليه قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) ، والاستجابة الإثابة . وفي تفسير مجاهد : اعبدوني أثبكم .
وقال الطبري (24 / 51) : عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الدعاء هو العبادة ) .
وقرأ : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .
وعن عمارة بن ثابت قال : قلت لأنس : يا أبا حمزة ، أبلغك أن الدعاء نصف العبادة ؟ قال : لا ، بل هو العبادة كلها .
وفي تفسير (المنار) : وإنما كان الدعاء عبادة ؛ لأن العبادة كالعبودية مشتقة من العبد ، ومن صفات العبد : الذلة ، والمسكنة ، والتوجه للسيد ، والاعتماد عليه ، وطلب المعونة منه ، والدعاء كذلك لابد فيه من الذل والخضوع ، والاعتراف بعجز الداعي وقدرة المدعو ، وطلب المعونة والغوث منه .
ولما كان الدعاء هو العبادة ، قال الله سبحانه وتعالى : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) [ الجن : 18] ، وقال : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [ الأعراف : 194] ، وقال : ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُون ) [ الأعراف : 197] ، وقال : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ ءَاتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِ


