الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

الخضر فى الفكر الصوفى

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

عقائد الصوفية
في ضوء الكتاب والسنة
الخضر في الفكر الصوفي
بقلم عميد متقاعد : محمود المراكبي

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } [ الكهف : 1 ] ، نحمده سبحانه ، حيث أنزل إلينا : { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ فصلت : 3 ] ، له الحمد سبحانه ، حيث جعل القرآن تبيانـًا لكل شيء ، وأكد سبحانه ذلك بقوله : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } [ الأنعام : 38 ] ، ثم الحمد للَّه كل الحمد ، حيث تعهد بحفظ القرآن ، ولم يوكل ذلك إلى غيره ، وأرسل إلينا خاتم أنبيائه وخاصة رسله وأصفيائه سيدنا محمد r ، الذي جاهد في اللَّه حق جهاده حتى أتاه اليقين ، بلَّغ رسالة ربه ونصح لقومه ، شرح لهم الدين وبيَّنه لهم أوضح تبيين ، وفصل لهم حقائقه، وصدق اللَّه العظيم حيث يقول : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل : 44 ] .
وأشهد أن نبينا r اختار الرفيق الأعلى بعد أن أكمل رسالته وأتم أركانها ، وأحل حلالها وحرم حرامها ، وأقر منهجها ومهد طريقها ، وما ترك سبيلاً يقرب إلى
اللَّه إلا ودلنا عليه ، وما خاف على أمته من ذنب صغير أو كبير إلا وحذرها منه ، وأَشْهَد أصحابه على ذلك يوم الحج الأكبر ، فشهدوا أنهم تلقوا عنه الدين واضحـًا جليـًّا لا لبس فيه ولا غموض ، ليله كنهاره ، فما ترك أمته إلا على المحجة البيضاء ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيد ولد آدم المبعوث رحمة للعالمين ، الشفيع يوم الهول الأكبر ، صاحب لواء الحمد يوم المثول بين يدي اللَّه عز وجل والعرض ، فاللهم اجز عنا نبيك أفضل ما جزيت نبيـًّا عن قومه ، واحشرنا يا مولانا في زمرته وتحت لوائه ، وصلِّ اللهم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمـًا كثيرًا ، أما بعد :
فتعد قصة موسى والخضر ، عليهما السلام ، من القصص الغنية التي شغلت المسلمين عامة ، والصوفية والباطنية خاصة ، حتى جعلوا منها عمود الرحى الذي تدور حوله أفكارهم ومعتقداتهم ، بل إنهم قسموا الدين إلى ظاهر وباطن ، اعتمــادًا على الوقــائع التـي أجراهــا اللَّه تبـــــارك وتعالى
على يدي العبد الصالح ، وقد شغلتني هذه القصة منذ سنــة 1971 م ، كما شغلت غيري من السالكين إلى اللَّه عز وجل ، وكان يشدني أي كتاب يتناول هذه القصة ، وقد اطلعت على أكثر الكتب المطبوعة للمؤلفين المعاصرين أو القدامى ؛ مثل : (( الزهر النضر في نبأ الخضر )) لابن حجر العسقلاني ، و(( الميزان الخضرية )) للشعراني ، و(( الخضر u وشأنه في الأنام )) لحسين السلواوي ، و(( حياة الخضر )) لمحمود شلبي . وغيرها مما لا يتسع المجال لحصرها ، بخلاف أمهات الكتب التي بحثت الموضوع من جوانب متعددة ، وكانت تستوقفني أخبار هذا اللقاء المتناثرة في أمهات كتب التفسير والحديث الشريف ، وكتب الرقائق والتصوف وغيرها ، وقد لاحظت أن هذه الكتب تتناول القصة مجردة عن النتائج التي بنيت عليها ، كما أن مؤلفيها إما صوفي مؤيد لحياة الخضر وولايته ، وإما منكر معارض للصوفية ، ولم أجد في هذه الكتب ما يشفي غليلي ويغطي جوانبه بما يحسم القضية ، وهذا لا يتأتى إلا بمناقشة أفكار كل طرف وأدلته ، وقياسها على هدي الكتاب والسنة ، ثم مناقشة الآثار المترتبة على هذه الأفكار .
وقد بدأ اهتمامي بهذه القصة لأنها تمثل حجر الأساس عند الصوفية ، وكل من يعتقد بتقسيم الدين إلى ظاهر وباطن ، ومن أهم عناصر هذه القصة معرفة من هو الخضر ؟ وهل هو حي حتى اليوم ؟ وما هي مهمته ؟ أهو نبي أم ولي ؟ وما الهدف من لقائه موسى ؟ وبالتالي ما هو العلم اللدني ؟
وسنتناول بتوفيق اللَّه تعالى هذه الأسئلة بالدراسة والتحليل خلال المقالات التالية ، حتى نصل إلى البيان الموافق لفهم السلف الصالح عن هذه القضايا .
أولاً : اسم العبد الصالح :
ولتكن بداية دراستنا هذه معرفة اسم العبد الصالح ؛ والمعروف أن القرآن الكريم لم يذكر اسمـًا للعبد الذي لقي موسى u ، وإنما أشارت الآيات إلى وصفه بالصلاح واختصاصه بعلم من لدن الحق تبارك وتعالى ، في حين نصت السنة النبوية المطهرة أن اسمه الخَضر ، وسبب تسميته يرويه البخاري وأحمد والترمذي وابن حبان ، حديث أبي هريرة عن النبي r ، حيث يقول : (( إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء )) . واتفق في الصحاح على أن كنيته أبو العباس.
وعن مجاهد قال : ( إنما سمي الخضر ؛ لأنه أينما صلى اخضر حوله ) . (( قصص الأنبياء المسمى عرائس المجالس )) لأبي إسحاق النيسابوري المعروف بالثعالبي (220) .
ثانيـًا : بـدء أمر الخضر :
لم يتوقف المغرمون بغرائب الأمور عند القدر الذي صرحت به مصادر الدين الأصلية ، بل شغلوا أنفسهم بأمور كثيرة لا تقدم ولا تؤخر

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا