الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

الحياة من الإيمان

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

الحياء من الإيمان
بقلم : جمال محمد إسماعيل

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى .
وبعد :
إن الحياء لم يزل أمره ثابتا واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى . فإنه ما من نبى إلا وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه وأنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم وذلك أنه أمر قد علم صوابه وبان فضله واتفقت العقول على حسنه وما كانت هذه صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل . وعلى خلق الحياء مدار الإسلام من حيث الفعل لأنه القانون الشرعى الذى ينتظم الأفعال الشرعية جميعها . والحياء شعبة من شعب الإيمان . وهو خلق المسلم العف بل هو عقيدته وقوام حياته فلنتجول فى معانيه وأبوابه وفضائله وما هو منه وما هو برىء منه وإن ظنه الناس حياء عسى أن نكون بذلك ألقينا الضوء على جانب من جوانب العقيدة السلفية عقيدة أهل الحديث والأثر .
الحياء لغة : قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( هو تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به ) (1) .
الحياء شرعا : قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( هو خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير فى حق ذى الحق ) (2) ويدل على هذا المعنى الشرعى قول النبى صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت ) (3) وقد جاءت تفسيرات عدة فى معنى هذا الحديث منها (4) :
1. هو أمر بمعنى الخبر والحكمة فى التعبير بلفظ الأمر دون الخبر فى الحديث أن الذى يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو الحياء فإذا تركه صار كالمأمور طبعا بارتكاب كل شر.
2. هو للتهديد أى اصنع ما شئت فإن الله يجزيك .
3. انظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحى منه فافعله وإن كان مما يستحى منه فدعه .
4. الحث على الحياء والتنويه بفضله أى لما لم يجز صنع جميع ما شئت لم يجز ترك الاستحياء .
فاعلم أيها العبد المسلم أن من لزم الحياء كانت عثراته مطمورة ومن ترك الحياء كانت عثراته منثورة . ويحسن بنا فى هذا المقام أن ننقل لك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( والحياء مشتق من الحياة فإن القلب الحى يكون صاحبه حيا فيه حياء يمنعه عن القبائح فإن حياة القلب هى المانعة من القبائح التى تفسد القلب ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم : ( الحياء من الإيمان ) (5) وقال : ( الحياء والعى شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق ) (6) فإن الحى يدفع ما يؤذيه بخلاف الميت الذى لا حياة فيه فإنه يسمى وقحا والوقاحة والصلابة وهو اليبس المخالف لرطوبة الحياة فإذا كان وقحا يابساً صليب الوجه لم يكن فى قلبه حياة توجب حياءه وامتناعه من القبح كالأرض اليابسة لا يؤثر فيها وطء الأقدام بخلاف الخضرة ، ولهذا كان الحى يظهر عليه التأثير بالقبح وله إرادة تمنعه عن فعل القبح بخلاف الوقح الذى ليس بحى فلا حياء معه ولا إيمان يزجره عن ذلك (7) .
الحياء خاصية بشرية
تلحظ أن الحياء من خصائص الإنسان حباه الله به ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهى فلا يكون كالبهيمة ولذلك لما أكل آدم وحواء من الشجرة المحظورة وبدت لهما سوآتهما راحا يجمعان من ورق الجنة ويضعانه على سوآتهما مما يوحي أن الإنسان يستحي من التعري فطرة ولا يتعرى ويتكشف إلا بفساد فى هذه الفطرة . قال تعالى ” فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِين ” (8) ولقد كانت العرب فى جاهليتها الأولى تستحي فأبو سفيان قبل إسلامه عندما وقف أمام هرقل ليسأله عن النبى صلى الله عليه وسلم فأخبر عن نفسه قائلا : ( فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علىّ كذبا لكذبت عنه ) (9) وكذلك الرجل الذى من بنى جشم حينما سأله أبو موسى الأشعرى قائلا : ( .. فلما رآني ولى عنى ذاهبا فاتبعته وجعلت أقول له : ألا تستحي ؟ ألست عربيا ؟ ألا تثبت ؟ فكف ..) (10) .
وكل هذه الشواهد توحي بأهمية الحياء وعمقه فى الفطرة السليمة . ولكن ماذا تقول فى أبواق الشيطان التى عاشت فى ديار المسلمين وتسمت بأسماء المسلمين إذا رأت المسلمة فى زينتها التى أنعم الله بها عليها : جلبابا وخمارا ودرعا سلقتها بألسنة حداد لأن زينة الله وفق فطرة الله تدمى قلب الشيطان الذى نزع لباس التقوى عن بنى الإنسان مدعيا أن هذا العرى هو الترقى والحضارة والمدنية .. أى رقى هذا وأي حضارة هذه . وماذا تفعل بيوت الأزياء ودكاكين التجميل بنساء اليوم ورجاله إنها تنفذ المكيدة الشيطانية ” وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ” (11) بصور وأشكال شتى ثم ماذا فى صفحات المجلات والأفلام والروايات والقصص والصحف التى أضحت ماخوراً متنقلا للدعارة والبغاء . فليكن الاعتصام بالله ” وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِالل

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا