الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

الحياة الأبدية للخضر

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

عقائد الصـوفية في ضوء الكتاب والسنة
الحياة الأبدية للخضر
بقلم عميد متقاعد: محمود المراكبي

الحمد للَّه الذي هدانا إلى التوحيد وجعلنا أمة وسطـًا ، لا نعرف الإفراط ولا نؤمن بالتفريط ، وجعلنا على ملة إبراهيم حنيفًا ، وما كان من المشركين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، علمه ربه وأدبه خالقه أحسن تأديب ، أمَّا بعد :
فقد تحدثنا في المقالة السابقة عن الخَضر في الفكر الصوفي ، وقلنا : إن هذا موضوع سيستغرق منا العديد من المقالات التي سنحاول فيها – بتوفيق اللَّه تعالى – أن نلقي الضوء على مكانة الخضر ، ودوره الذي اخترعه الباطنية عمومًا ، والصوفية على وجه الخصوص ، ونستكمل حديثنا لنتعرف على حياة الخضر التي يريد لها البعض أن تكون أبدية على غير السنة الإلهية في حياة بني آدم ، ومنهم من يرى في نبي اللَّه إلياس عليه السلامشريكـًا للخضر فيما اختص به ، كما لذي القرنين جانب آخر تشير إليه رواية منسوبة إلى كعب الأحبار يقول فيها : ( إن الخضر كان وزير ذي القرنين ، وإنه وقف معه على جبل الهند ، فرأى ورقة فيها : بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، من آدم أبي البشر ، إلى ذريته ؛ أوصيكم بتقوى اللَّه ، وأحذركم كيد عدوي وكيد إبليس ، فإنه أنزلني هنا ، فقال : فنزل ذو القرنين فمسح جلوس آدم وكان مائة وثلاثين ميلاً ) .
ولا يخفى ما في هذه الرواية من الشطط ، فكيف يكون جلوس آدم عليه السلاممائة وثلاثون ميلاً ؟!
أسطورة عين الحياة :
تكثر الروايات المدونة في الكتب عن أسطورة عين الحياة التي شرب منها الخضر ، فكانت سببـًا في حياته ، وقد أشار إليها ابن عربي وغيره في كتاباتهم . ونروي عن السهيلي حكاية طويلة نختصرها خشية الملل ، يقول فيها : كان أبو الخضر ملكـًا وأمه فارسية واسمها الهاء ، وأنها ولدته في مغارة ، وأنه وجد هناك شاة ترضعه … ثم تحكي القصة كيف رباه رجل غير أبيه ، إلى أن التقى بأبيه ، ثم فر منه إلى أن وجد عين الحياة فشرب منها ، فهو حي إلى أن يخرج الدجال ، فإنه الرجل الذي يقتله الدجال ثم يحييه . اهـ .
إلاَّ أن أشهر أساطير شرب الخضر من عين الحياة رواها خيثمة بن سليمان من طريق جعفر الصادق عن أبيه ، نقلاً عن (( الإصابة في تمييز الصحابة )) (1: 430) ، ويكرره شيخ الصوفية الأكبر ابن عربي في (( الفتوحات )) (3: 336) ، نذكر منها : ( أن ذا القرنين كان له صديقـًا من الملائكة فطلب منه أن يدله على شيء يطول به عمره ، فدله على عين الحياة ، وهي داخل الظلمات ، فسار إليها والخضر في مقدمته ، فظفر بها الخضر دونه ) .
وفي رواية مطولة لنفس القصة تتناول العلاقة بين الخضر وذي القرنين تقول : ( حين طلب ذو القرنين من الملك أن يدله على شيء يطول به عمره ، فأجابه الملك بقوله : إن للَّه عينـًا تسمى عين الحياة ، مَن شرب منها شربة لم يمت أبدًا ، حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت ، فقال ذو القرنين : فهل تعلم موضعها ؟ قال : لا ، غير أنّا نتحدث في السماء أن للَّه ظلمة في الأرض لم يطأها إنس ولا جان ، فنحن نظن أن تلك العين في تلك الظلمة ، فجمع ذو القرنين علماء الأرض فسألهم عن عين الحياة ، فقالوا : لا نعرفها ، قال : فهل وجدتم في علمكم أن للَّه ظلمة ؟ فقال عالِم منهم : لِمَ تسأل عن هذا ؟ فأخبره ، فقال : إني قرأت في وصية آدم ذِكر هذه الظلمة ، وأنها عند قرن الشمس ، فتجهز ذو القرنين ، وسار اثنتي عشرة سنة ، إلى أن بلغ طرف الظلمة ، فإذا هي ليست بليل ، وهي تفور مثل الدخان ، فجمع العساكر وقال : إني أريد أن أسلكها فمنعوه ، فسأله العلماء الذين معه أن يكف عن ذلك لئلا يسخط اللَّه عليهم ، فأبى ، فانتخب من عسكره ستة آلاف رجلٍ على ستة آلاف فرسٍ أنثى بِكْر ، وعقد للخضر على مقدمته في أَلْفَي رجل ، فسار الخضر بين يديه وقد عرف ما يطلب ، وكان ذو القرنين يكتمه ذلك ، فبينما هو يسير إذْ عارضه وادٍ ، فظن أن العين في ذلك الوادي ، فلما أتى شفير الوادي استوقفه أصحابه وتوجه ، فإذا هو على حافة عين من ماء ، فنزع ثيابه ، فإذا ماء أشد بياضًا من اللبن وأحلى من الشهد ، فشرب منه وتوضأ واغتسل ، ثم خرج ، فلبس ثيابه وتوجه ومر ذو القرنين فأخطأ الظلمة ) .
هذه القصة رواها ابن عساكر في ترجمة ذي القرنين من طريق خيثمة بن سليمان قال : حدثنا أبو عبيدة ابن أخي هناد ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا أبي جعفر عن أبيه ، وأوردها ابن كثير في (( البداية والنهاية )) (2: 107) ، وقد ترجم الذهبي لسفيان بن وكيع بن الجراح في (( المغني في الضعفاء )) ترجمة رقم (2489) ، وقال : ضُعّف . وقال أبو زرعة : ( كان يُتَّهَم بالكذب ) . وقيل : كان صدوقـًا ابتلي بوراقه ( وهو من يكتب له الحديث ) أفسد حديثه ، وأدخل فيه ما ليس عنده ، فكُلم في ذلك فلم يراجع . ( راجع (( ميزان الاعتدال )) للذهبي (2: 173) ، ترجمة رقم (3334) ) .
م

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا