من مفردات القرآن
2- الحمد لله
{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ .الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ .صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } [ سورة الفاتحة ] .
l l تحدثت – في مقال سابق – عن مادة (( الحمد )) في القرآن الكريم ، وعن معناها ، ومرات ورودها ، والسور التي افتتحت واختتمت بها .
l l واليوم ؛ نلتقي حول (( سورة الحمد )) نتأمل وجهها الكريم ، ونقتبس من آياتها الحكمة ، ونلتمس من معانيها الموعظة .
l و (( سورة الحمد )) سورة جامعة لأبواب الخير ، مرشدة لأصول البر … فقد جاء مأثورًا عن الحسن البصري – فيما يرويه عن ابن ماجه وغيره ؛ (( أن اللَّه أنزل مائة كتاب وأربعة كتب . جمع علمها في الأربعة ، وجمع علم الأربعة في القرآن ، وجمع علم القرآن في المفصل وجمع علم المفصل في أمر القرآن ، وجمع علم أم القرآن في هاتين الكلمتين الجامعتين : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . [ج 13 من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ص 7 . ] .
l وهي سورة ذات أسماء كثيرة – منها :
الحمد ، والصلاة ، والفاتحة ، وأم الكتاب ، وأم القرآن والمثاني .
l قال تعالى : { الحمد لله } .
ولم يذكر سبحانه لحمده (( ظرفًا مكانيًا )) ، ولا (( زمانيا )) .
وذكر في (( سورة الروم )) أن من ظروفه المكانية : (( السموات والأرض )) ، حيث يقول : { وله الحمد في السموات والأرض } [ الروم : 18 ] .
كما ذكر في (( سورة القصص )) أن من ظروفه الزمانية : (( الدنيا والآخرة )) . [ أضوء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للعلامة محمد الأمين الشقنطي ] .
حيث يقول : { وَهُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ } [ القصص : 70 ] .
l والألف واللام – في قوله : { الحمد } . لاستغراق جميع المحامد في جميع الظروف والأحوال : وعلى جميع النعم جليلها وخفيها .
l و { الحمد لله } كلمة لها فضلها وأجرها : ولذلك افتتح الله بها كتابه ، وأمر بها أحبابه ، فقد روى مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها )) .
وقال الحسن : (( ما من نعمة إلا والحمد لله أفضل منها )) .
وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : (( الحمد لله )) إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ )) .
وروى مسلم عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان اللَّه والحمد لله تملآن – أو : تملأ – ما بين السماء والأرض )) .
* * *
l وقال تعالى : { رب العالمين } .
– والرب يطلق على السيد المطاع ، وعلى المصلح ، وعلى الملك . فهو صفة مشبهة ، ويجوز أن يكون مصدرًا بمعنى التربية .
والرب – بالألف واللام – لا يقال إلا للَّه عز وجل .
– والعالمين – جمع عالم ؛ وهو : كل موجود سوى الله تعالى . ويدل لذلك قوله تعالى : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ . قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } .
– وقد يطلق لفظ (( العالمين )) ويراد به (( الإنس والجن )) فقط ، وذلك في مجال الحديث عن عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
قال ابن عباس : العالمون : الجن والإنس ؛ لقوله تعالى : { لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [ الفرقان : 1 ] . قال : ولم يذكر نذيرًا للبهائم .
l وقال بعض العلماء( ) : واشتقاق العالم من العلامة ؛ لأن وجود العالم علامة لا شك فيها على وجود خالقه متصفًا بصفات الكمال والجلال ، قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ } [ الأعراف : 190 ] .
والآية – في اللغة – العلامة .
l وقال تعالى : { الرحمن الرحيم } .
وهما من أبنية المبالغة ، و(( الرحمن )) أبلغ من (( الرحيم )) ؛ لأن زيادة المبني تدل على زيادة المعنى كما هو معروف في علم الاشتقاق .
– (( والرحمن )) ، خاص بالله سبحانه وتعالى ، فلا يسمى به غيره ولا يوصف ، بخلاف و(( الرحيم ))( ) .
وفائدة الجمع بين الصفتين (( الرحمن )) و (( الرحيم )) الإخبار عن رحمة عاجلة وآجلة ، خاصة وعامة .
ثم ؛ إن (( الرحمن )) دال على الصفة الثائمة به سبحانه ، و (( الرحيم )) دال على تعلقها بالمرحوم : فكان الأول للوصف ، والثاني للفعل .
فالأول : دال على أن الرحمة صفته .
والثاني : دال على أنه يرحم خلقه برحمته .
وهذا هو سر قوله تعالى : { وكان بالمؤمنين رحيمًا } [ الأحزاب : 43 ] .


