الجوانب الدينية والأخلاقية في شعر الأمام الشافعي
بقلم
بدر عبد الحميد إبراهيم
(1) ترجمة الإمام الشافعي :
هو : الأمام محمد بن إدريس العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف .
يلتقي في نسبه مع الرسول صلي الله عليه وسلم ، ومن ناحية أمه مع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – .
ولد الأمام الشافعي بغزة سنة خمسين ومائة – يوم وفاة أبي حنيفة – وحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين ، وذلك بعد وفاة والده ، وهناك في مكة كفله جده وأعمامه ، حتى انتهت به الرحلة في مصر ، والتي ظل بها حتى توفي سنة 204 هـ .
(2) نشأته وطلبه للعلم ونبوغه :
أولع الشافعي – صغيرًا – بحفظ القرآن الكريم ، ورواية شعر الهذليين ، وتكونت ثقافته من عدة روافد ، فهناك شيوخه وأساتذته ، وهناك مطالعاته وقراءاته ، وهناك رحلاته إلى اليمن والكوفة والبصرة ومكة وبغداد ومصر ، وهناك انتفاعه بفنون المناظرة والتي أتقنها ، وهناك موطأ مالك الذي تربى عليه ، حتى إن مالكًا كان يناوله الموطأ يقرؤه على الناس وهم يكتبونه ، وكل هذه الأشياء جعلت الشافعي يستوعب ثقافة عصره إضافة إلى نبوغه المبكر ، وحبه للعلم والتعلم .
(3) الجوانب الدينية والأخلاقية في شعر الإمام الشافعي :
يُعد الإمام الشافعي نموذجًا طيبًا للعالم المسلم ، والشاعر الملتزم ، الذي يؤمن بأن للشعر والشاعر دورًا ساميًا في هذه الحياة ، فالتزم الشافعي بأخلاق دينه ، وصاغ المثل الدينية القويمة بأسلوبه الرائق الرصين ، فجاءت أشعاره صدى لما تربى عليه ، فهو يعرف أن الله ذم الغاوين من الشعراء ، واستثنى الصالحين ، قال تعالى : ( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ(224)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ(225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ(226)
إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )[الشعراء : 224 – 227] .
ومن أهم الجوانب الدينية والأخلاقية التي تحدث فيها الشافعي في شعره :
1- العفو والتسامح ، والصبر عند نزول المكروه .
يقول الشافعي :
لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ
أرحت نفسي من هم العداوات
أني أحيِّي عدوي عند رؤيته
لأدفع الشر عني بالتحياتِ
ولقد استقى الشافعي تلك المعاني من آي القرآن التي تربى عليها ، والتي دعتنا إلى العفو والتسامح ، وعدم الجزع ؛ لأن المقدر والقاضي هو الله ، يقول :
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطِبْ نفسًا إذا حكم القضاءُ
ولا تجزعْ لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاءُ
2- الحث على القناعة والرضا بما قسم الله عز وجل :
القناعة مصدر السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة : ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ) وهي رأس الغنى كله ، يقول الشافعي :
رأيت القناعة رأس الغنى
فصرت بأذيالها متمسكا
وقال :
إذا ما كنت ذا قلب قنوع
فأنت ومالك الدنيا سواء
3- التوكل والاعتماد على الله في السعي إلى المعاش :
المؤمن متوكل لا متواكل ، فهو يأخذ دائمًا بالأسباب ، ويسعى على معاشه في جد واعتماد كامل على الله ، ولقد حث الشافعي على السفر و الترحال لطلب العلم والرزق ، يقول :
ما في المقام لذي عقل وذي أدب
من راحة فدع الأوطان واغترب
سافرْ تجِدْ عِوَضًا عمَّنْ تفارقه
وانصبْ فإن لذيذ العيش في النَّصَبِ
إني رأيت وقوف الماء يفسدهُ
إن سال طاب وإن لم يَجْرِ لم يَطِبِ
4- السخاء وذم البخل :
المؤمن حينما يجود بماله يدخر ذلك ليوم الحساب ، وليس المؤمن ببخيل ، بل هو باذل قدر طاقته ، يقول الشافعي :
لا كلف الله نفسًا فوق طاقتها
ولا تجود يَدٌ إلا بما تجدُ
5- الدعوة إلى عزة النفس :
من أمارات رفعة المؤمن : عزته بنفسه ، وحرصه على إكرامها ، ومن الاعتزاز بالنفس : صيانة اللسان والعين والجوارح عن كل ما يشين ، ويغضب الله – عز وجل – يقول الشافعي :
إذا رمت أن تحيا سليمًا من الردى
ودينك موفور وعرضك صَيِّنُ
فلا ينطقن منك اللسانُ بسَوْءةٍ
فكلُّك سوءاتٌ وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك مساوئًا
فدعها ، وقل يا عينُ للناس أعينُ
وعاشر بمعروفٍ ، وسامحْ من اعتدى
ودافع ولكنْ بالتي هي أحسنُ
ومن عزة النفس – كذلك – أن يكون المؤمن قدوة طيبة لغيره ، يقول :
يا واعظ الناس عما أنت فاعله
يا من يُعَدُّ عليه العمرُ بالنَّفَسِ
تبغي النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس
وهكذا حرص الشافعي على غرس القيم الدينية والأخلاقية ، وعلى إصلاح الإيمان في القلوب ، والحب الخالص لله ، والبعد عما يغضبه ، والسمو بالنفس عما يَشِينُها .
(1) الأئمة الأربعة : دكتور أحمد الشرباصبي ، طبعة دار الهلال .
(2) البداية والنهاية في التاريخ : لابن كثير ، ط


