الجهاد في سبيل الله ..
بقلم
الرئيس العام محمد صفوت نور الدين
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سألتُ رسول الله صلي الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : الصلاة على وقتها ، قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين ، قلت : ثم أي ؟ قال جهاد في سبيل الله .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ….
فالجهاد : هو بذل الجهد واستنفاد الطاقة في سبيل حصول مقصود ولما كان الخلق والشرع من الله سبحانه كما قال سبحانه : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) كانت مشروعية الجهاد في الإسلام حتى يعمل الخلق بأمر الله سبحانه ، ولما كان صراع الشيطان منذ خلق آدم مستمر مع آدم وبنيه بالإغراء والإغواء شرع الجهاد لقطع سبل الشيطان على الخلق وجمعهم على شرع الله ودينه فالجهاد مطلوب في كل حين للشيطان ولما يترتب على وساوسه وحيله المتصلة والمؤمن مطالب بجهاد الشيطان والنفس والكافرين والمنافقين والبغاة والفاسقين وأصحاب البدع .
أقسام الجهاد ومراتبه :
للجهاد أقسام ذكرها ابن القيم في زاد المعاد نذكرها هنا بتصرف :
المرتبة الأولى : مجاهدة الشيطان بدفع ما يلقى من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان وهي من العبد استعاذة بالله واستقامة على شرعه ومن العلماء بيان العقيدة وتصحيحها .
المرتبة الثانية : مجاهدة الشهوات : وهي بالصبر على التزام الحلال واجتناب الحرام واليقين في وعد الله للمؤمنين الطائعين ووعيده للعصاة المذنبين .
المرتبة الثالثة : جهاد النفس في طلب العلم وتحمل مشاقه فالعلم بالتعلم ومن لم يصبر على ذل التعلم صغيرًا عاش ذل الجهل طويلاً .
المرتبة الرابعة : جهاد النفس في مداومة العمل بذلك العلم حتى لا تقع في الغضب أو الضلال ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) .
المرتبة الخامسة : جهاد الدعوة إلى الله وتعليم الخلق : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .
المرتبة السادسة : الصبر على مشاق الدعوة إلى الله والبقاء مع القائمين عليها في كل حين ومكان ( وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) .
المرتبة السابعة : جهاد الكفار والمنافقين بالقلب بغضًا لحالهم مع اعتزال الجوارح لهم .
المرتبة الثامنة : جهاد الكفار والمنافقين باللسان دعوة إلى الله وبيانًا لسبيله وإزالة للحجج وقطعًا للشكوك وهذه المرتبة تسبق القتال للكافرين ولكنها تستمر مع المنافقين .
المرتبة التاسعة : الجهاد بالمال وهو بذله في مصارفه من صور الجهاد .
المرتبة العاشرة : الجهاد بالنفس وهي حصيلة الإيمان وبرهان اليقين وهو المسمى بالجهاد إذا أطلقت الكلمة ولم تقيد وهذه المرتبة ألزم مراتب جهاد الكافرين خاصة .
أما البغاة وأصحاب البدع وأهل الفسق والفجور فجهادهم له ثلاث مراتب :
الأولى : باليد حال القدرة بغير وقوع مضرة أكبر .
الثانية : باللسان حال العجز عن اليد .
الثالثة : بالقلب وذلك أضعف الإيمان .
يقول ابن القيم بعد عرض هذه المراتب – فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد – (ومن مات ولم يغز ولم يحدِّث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ) .
والجهاد أعلى مراتب الإسلام لقوله صلي الله عليه وسلم : (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ) .
وحكم الجهاد أنه فرض (بالنفس والمال) أو أحدهما وهو على الكفاية إذا قام به من المسلمين من يكفيهم ويتعين في ثلاثة مواضع :
الأول : إذا التقى الزحف وحضرت المعركة لقوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) وقال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ(15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ) .
الثاني : إذا دعا إمام المسلمين للنفير العام .
الثالث : إذا هاجم الكفار المسلمين في ديارهم . قال تعالى : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سميت المجاهدة سبيلاً إلى الله تعالى لأن من يسلكها ويتوصل بها إلى الله ليتمكن من إظهار عبادته تعالى ونشر الدعوة إلى دينه وتوحيده والدفاع عن الحق وأهله ، فالقتال دفاع في سبيل الله لإزالة الضرر العام وهو منع الحق وتأييد الشرك وذلك بردع الذين يفتنون الناس عن دينهم وينكثون بعهدهم . وليس الجهاد طلبًا لحظ النفس ولا لأهواء البدن وشهواته ولا لحب سفك الدماء وإزهاق الأر


