الحج والأضحية في عيد الأضحى المبارك
بقلم الشيخ : بكر محمد إبراهيم
نائب رئيس أنصار السنة ، فرع السلام
عيد الأضحى
الله أكبر كبيرًا ، والحمد لله كثيرًا ، وسبحان الله العظيم وبحمده بكرة وأصيلاً ، لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، محمد رسول الله ، أما بعد .
فقد أمر الله تعالى إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، أن يؤذن في الناس بالحج فأتوه من كل فج عميق رجالاً وركبانًا ، ودعا الخليل لأرض الحرم بالبركة والخير ، فاستجاب له ربه وتحولت من قفر إلى عمران ، ومن فقر إلى غنى ، إشارة منه سبحانه إلى أن الغني الأكبر إنما هو حج بيت الله الحرام وزيارته في بيته المقدس المطهر للطائفين والعاكفين في هذا الشهر الحرام شهر ذي الحجة يحتشد المسلمون في مكة البلد الحرام ، وطافوا بالبيت داعين ملبين منكسرين ، فرفعهم الله قدرًا ، ونالهم برضاه وحبه وغفرانه ، فنعم الجزاء .
أحرم الحجاج وهجروا كل زينة الدنيا ، مقبلين على ربهم ، معظمين لشعائره ، مطيعين لأمره ، ذاكرين لفضله ، مفوضين أمورهم إليه ، متبرئين من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته ، ضجوا بالدعاء على عرفات ، وباهى الله تعالى بهم ملائكته ، وأعطاهم ما أرادوا ، وغفر لمسيئهم إكرامًا لمحسنهم ، وذل الشيطان واندحر لما رأى سحائب الغفران والرحمة ، ويقول : يا ويلتي ، أُمر ابن آدم بالسجود فسجد ، فله الجنة ، وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار .
اليوم يوم من أيام الله ، هو يوم عيد الأضحى المبارك ، أعاده الله علينا وعليكم وعلى أمة الإسلام باليمن والبركات ، فيوم الأضحى مليء بالعبر والعظات والخيرات ، فهو تمام الليالي العشر التي أقسم الله تعالى بها في قوله تعالى في سورة الفجر : ( وَالْفَجْرِ(1)
وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) [ الفجر : 1 ، 2] ، وذلك لعظمتها ورفيع قدرها عنده ، ومضاعفة ثواب الأعمال الصالحة فيها ، وهي العشر الأوائل من ذي الحجة التي يقع فيها الحج إلى بيت الله الحرام ، فمن أحيا الليالي العشر بصالح الأعمال فقد فاز .
فالحجاج قد خرجوا من ديارهم ، وهجروا أوطانهم وأموالهم وأولادهم ، وتجردوا من كل زينة ، وتوحد مظهرهم أمام الله طائعين وساعين وملبين واقفين بعرفات .
ومن لم يحج فليتوجه إلى الله بقلبه وروحه عند مناسكه وحرماته في الأرض الطيبة الطاهرة ، يدعو مع الداعين ، ويرغب مع الراغبين ، ويسأل الله من فيضه أن يجعله ضمن وفده في عام مقبل إن شاء الله بفضله وكرمه .
وهو يوم يذكرنا بأن العمر قصير ، وقد خرج الحجاج في ملابس تشبه أكفان الموتى لتذكرنا بهذا المعنى ، فتحث القادر على الحج بالتعجيل وعدم التراخي ، خشية فوات العمر دون أداء ركن من أركان الإسلام ، قال تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) [ آل عمران : 97] ، وهو يذكرنا بأن الحج عمل خالص لله تعالى ، وليس مجرد رغبة في الحصول على مكاسب دنيوية زائلة ، وإلا كان مردودًا على صاحبه ، قال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) [ الشورى : 20] ، فهذا هو المحروم .
وهذا اليوم يذكرنا بأبينا إبراهيم ، عليه السلام : ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ) [ الحج : 78] ، ولقد جعل الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم أولى الناس بحماية دين إبراهيم ، عليه السلام ، من التحريف ، فقال : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ ) [ آل عمران : 68] .
الأساس الأول لإبراهيم ، عليه السلام : هو الطاعة المطلقة لله تعالى دون انتظار لحكمة الأمر ودليل ذلك أنه لما صدر الأمر إليه بالخروج من بلده لم يسأل الوحي : إلى أين ؟ وكيف ؟ بل حزم متاعه وصحب أهله وخرج قائلاً : ( إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِين ) [ الصافات : 99] ، والأساس الثاني هو الإيمان بالله تعالى وبأمره ونهيه إيمانًا مطلقًا ، دون شك ، ولا حيرة ، ولا قلق من تأخير الإجابة ، وذلك يتمثل في قوله : ( سَيَهْدِين ) .
لقد وضع إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، ولده إسماعيل على أرض جرداء لا نبات فيها ولا ماء ، ولم يسأل ربه : ماذا يأكل ؟ ماذا يشرب ؟ كيف ينام ؟ وسألته زوجته هاجر المصرية المؤمنة : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا ، لقد ورثت إيمان الخليل ، وورثه عنه إسماعيل ، عليه السلام ، لقد أصبح القفر اليابس عمرانًا هائلاً ، وهوت أفئدة الناس إلى موطن إسماعيل ، كما دعا أبوه : ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) [ إبراهيم : 37] .
ف


