الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

التقوى

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

من ديوان الإيمان :
التقوى
بقلم / علي عيد
التقوى مما يثمره الإيمان الصحيح في القلب ، وهي نعمة تفوق كل تقدير ، تصبغ جميع أعمال الإنسان وسعيه بصبغتها ، وتهيمن على خواطره ونواياه ، ولم لا تكون كذلك وهي حقيقة من أجل الحقائق الربانية ، ونحب أن نستقرئ أقوال أعلام الأمة فيها ، وملاحظتهم لها … !
فالإمام القرطبي يروى أنها تعنى قلة الكلام لغة … وزاد أنه الذي يتقي بصالح عمله وخالص دعائه عذاب الله تعالى مأخوذ من اتقاء المكروه بما تجعله حاجزا بينك وبينه ، كما قال النابغة .
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه …
فتناولته واتقتنا باليد
وقول آخر : فألقت قناعًا دونه الشمس واتقت
بأحسن موصلين كف ومعصم
وروى عن أبي بن كعب قولته لعمر بن الخطاب حينما سأله عن التقوى : (أما سلكت طريقًا ذا شوك ؟ قال بلى . قال : فما صنعت ؟ قال شمرت واجتهدت … قال فذلك التقوى ) .
وروى أنها جماع الخير كله ، وهي وصية الله في الأولين والآخرين ، وهي خير ما يستفيده الإنسان ، كما قال أبو الدرداء ، وقد قيل له إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك شئ ، فقال :
يريد المرء أن يؤتي مناه
ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي
وتقوى الله أفضل ما استفادا
والشيخ رشيد رضا يقول في المنار : (وكلمة (المتقين) من الاتقاء ، والاسم : التقوى ، وأصل المادة وقى يقى ، والوقاية معروفة المعنى وهو : البعد أو التباعد عن المضر أو مدافعته ، ولكن نجد هذا الحرف مستعملا بالنسبة إلى الله تعالى كقوله : ( وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ )( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) ( وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَاب ) فمعنى اتقاء الله تعالى اتقاء عذابه وعقابه ، وإنما تضاف التقوى إلى الله تعالى تعظيمًا لأمر عذابه وعقابه ، وإلا فلا يمكن لأحد أن يتقى الله وذاته ، أو تأثير قدراته ، ولا الخضوع الفطري لمشيئته .
ومدافعة عذاب الله تعالى تكون باجتناب ما نهى واتباع ما أمر ، وذلك يحصل بالخوف من العذاب ومن المعذب ، فالخوف يكون ابتداء من العذاب وفي الحقيقة من مصدره ، فالمتقى هو من يحمى نفسه من العقاب ، ولابد أن يكون عنده نظر ورشد يعرف بهما أسباب العقاب والآلام فيتقيها ) .
ويبدى سيد قطب ملاحظته على التقوى فائلا في الظلال :
(فالتقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب . هي التي تفتح مغاليق القلب له فيدخل ويؤدي دوره هناك ، هي التي تهيئ لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقى وأن يستجيب .
لابد لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن أن يجئ إليه بقلب سليم ، بقلب خالص . ثم أن يجئ إليه بقلب يخشى ويتوقى ويحذر أن يكون على ضلالة ، أو أن تستهويه ضلالة … وعندئذ يتفتح القرآن عن أسراره وأنواره ، ويسكبها في هذا القلب الذي جاء متقيا ، خائفًا ، مهيأ للتلقى … ورد أن عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – سأل أبي بن كعب عن التقوى ، فقال له : أما سلكت طريقًا ذا شوك ؟ قال : بلى ! قال : فما عملت ؟ قال : شمرت واجتهدت . قال : فذلك التقوى .
فذلك التقوى … حساسية في الضمير ، وشفافية في الشعور ، وخشية مستمرة ، وحذر دائم ، وتوق لأشواك الطريق … طريق الحياة ، … الذي تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات ، وأشواك المطامع والمطامح ، وأشواك المخاوف والهواجس ، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء ، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعًا ولا ضرا ، وعشرات غيرها من الأشواك ! ) .
وثمة روايات وتعريفات قديمة نذكر منها ما روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله :
(التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والاستعداد ليوم الرحيل ، والبعد عن القال والقيل ) .
والرواية التي رواها ابن القيم عن طلق بن حبيب التي تقول : (التقوى هي : أن تعمل ما يرضى الله على نور من الله ، ترجو ثواب الله ، وأن تبتعد عما لا يرضى الله على نور من الله ، تخاف عقاب الله ) .
مما سبق نستطيع أن نستشف للتقوى معنى جامعا ، يخرج عن معناها اللغوي ، إذ لابد لتحقيق الاتقاء من خوف وحذر وخشية ، ورجاء وأمل وإنابة دائمة .
وقيام الخوف يعتمد على علم صحيح ومعرفة صادقة بالله سبحانه وتعالى ، وهذا بديهي ومنطقي ، إذ لابد من تصور ما يخيف حتى يحدث الخوف .
والمؤمن الصادق متوفر لديه مثل ذلك العلم ، ومثل هذه المعرفة ، فهو يعلم أن الله سبحانه شديد العقاب بعد أنه رحيم ذو رحمة واسعة ، وأن مغفرته ورحمته تسع العالمين جميعًا ( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) ، ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ومثل هذه الآيات التي تبني تصور المؤمن لعلاقته بربه ، وأنها ليست علاقة رحمة ومغفرة تجيز له أن يأمن عذابه ، ويتهاوى في قيعان الحيوانية الأرضية ، وإنما هي علاقة رحمة تتساوى فيها

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا