الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

البيت المسلم

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

افتتاحية العدد
البيت المسلم

الحمد لله رب العالمين ، الذي ربَّى الخلق جميعًا بنعمة منه وكرمه وفضله خلقًا وأمرًا : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) [ الأعراف : 54] ، فلقد خلق الله الخلق فأبدعه ، وأنزل الأمر كله فأكمله وأتمه ورضيه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [ المائدة : 3] ، فكان ذلك النظام الرباني هو الذي تصلح به الحياة ، وهو الذي تحل به المشكلات .
أذكر أنني قرأت في عام 1397 هـ الموافق 1977م ، وكنت بمدينة طنطا في جريدة مصرية تقريرًا عن نقابة المهندسين جاء فيه : إن حل مشكلة الإسكان في مصر يكون بالرجوع إلى النظام الإسلامي في بناء المساكن ذات الطابقين ، فعجبت لذلك كثيرًا ، وعندما تدبرت ذلك وجدت :
1 – أن الإسكان المرتفع بصورته الحالية يكشف العورات ولا يستر أهله ، وأنه كذلك أدى إلى صعوبات بالغة في توصيل الخدمات والنجدة في الأزمات من حريق أو غيره ، فضلاً عن ضيق الطرقات بازدحام المواصلات وتعقيد الأوامر والإشارات ، وصعوبة الحفاظ على الأمن ، وذلك كله مناقض لمقاصد الشرع من الحفاظ على النفس والنسل والمال والدِّين والعِرْض والعقل .
2 – أن الإسكان المرتفع أدى إلى التكدس البالغ في رقعة بعينها ، فتغالي الناس في الأثمان ، وتكلفوا طلبًا لمؤنة البنيان ، وكانت الندامة والخسران عند حدوث زلزال أو حريق أو غيره ، فضلاً عن كثرة الاحتكاك المفضي إلى تبلد الحس ، بما عند الجار بالنسبة لجاره ، خاصة وأن الأسباب التربوية ضعيفة إن لم تكن منعدمة ، بل تربية معكوسة تغرس الرذيلة وتحقر الفضيلة وتحض على الجريمة وتنفي الاستقامة .
3 – أن الإسكان من طابقين يؤدي إلى انتشار المدن السكنية في الأرض الصحراوية الـممتدة التي تمثل 96.5 % من مساحة مصر ، فيؤدي ذلك إلى نشر السكان في مساحة كبيرة بما يسهل تعمير أرضها بالزراعة والاستفادة من خاماتها ونشر الخدمات وتيسير الصناعات ، خاصة وأن الأشجار التي يمكن أن تجود في الصحراء مثل (النخيل والزيتون) ، هي من أجود الأشجار اقتصاديًّا .
3 – وأن الإسكان من الطابقين لا يحتاج إلى تكلف في الخامات ولا مزيد من وسائل التأمين ، هذا فإذا رجعنا إلى البيت الإسلامي وجدنا أن شكله ينبع من عقيدته ، ويلتزم بالشرع في نصوصه ، ويستفيد من الكون في آلائه ، فهو بيت التربية ، فله صحن فسيح في وسطه يدخله الهواء والشمس ، ويمكن زراعة بعض النباتات والأشجار به التي تحقق بعض الأغراض المنزلية ، وأن نوافذه الرئيسية الكبيرة إلى داخله ، وأنه بيت يتميز بالمرونة التي تسهل إضافة وحدات له ، أو عزل أجزاء أخرى ؛ لتكوين وحدات للأسر الجديدة التي تتكون فيه ، وليس بنظام الشقوق التي نسكنها اليوم ؛ لأن الشقوق سكني الهوام ، والبيوت سكني الإنسان ، وهذا البيت في النظام الإسلامي يتميز بوجود باب خارجي يجاوره موقع الضيف الذي لا يجرح بيتًا ، ولا يشعر بحرج إن مكث أيامًا ، وحاجاته الأساسية قريبة منه ، فإن جاء الضيف لرجل مسلم ولم يجده وجد آخر ؛ لأن البيت فيه رجال متعددون .
في هذا البيت يسكن الجد بأبنائه وأحفاده ، فكلما نضج واحد من أولاده وأراد الزواج أمكن له أن يحجز له مكانًا فيه المخدع ، وغالبًا ما يتصل بالطابق العلوي بحيث يتيسر حفظ العورات ، مع الاتصال بسائر أفراد البيت بغير ضيق ولا تكلف .
أما الطفل فإنه يجد المكان الفسيح الذي يستمتع به ، ويجد الرعاية من أمه وأبيه وجده وجدته وأعمامه وزوجات الأعمام ، فلا ينقل ألفاظًا سيئة من شوارع يسعى فيها ، ولا يخاف عليه من مخوفات يخرج إليها خارج البيت ، فيكون الولد في البيت مستمتعًا بالراحة وعلى الأيدي الحانية تربى ، وبين الأحضان الدافئة يتنقل ، يربيه الجد الذي أقعده السن عن العمل ، وصار ذا خبرة واسعة في الدنيا ، فيكون عمر خبرة المربين كبيرة .
البيت المسلم بيت يحمي الفضيلة وينفي الرذيلة ، فإن وجد بهذا البيت أحد أفراده من النساء أو الرجال في طبعه الرذيلة لم يستطع ممارستها ؛ لأن البيت عامر لا يخلو من سكانه ورواده ، فلا يعين إلا على الاستقامة ، فالانحراف بعيد المنال ، والتفكير فيه لا يخطر على البال .
في هذا البيت يجد الطفل أقرانًا من أعمامه أو أبناء عمومته ، فيجد من أقرانه من يؤنسه فينمو اجتماعيًّا لا أنانيًّا ، لا يحتاج الأب أن يتكلف محاكاة الطفولة أو الانشغال بملاعبته وتسليته ؛ لأن البيت لا يخلو من الأقران في سن الطفولة .
أما البيت الحديث فقد خلا من الجد والجدة ، واجتهد الأب فيه لكسب القوت ، وطلب المعاش ، فلما عجز ، بل قبل أن يعجز خرجت الأم إلى معترك الحياة ، فخلا عليه البيت ، فإما أن يعيش بين الجدران حبيس الوحدة والوحشة ، أو يخرج مبكرًا في صيف أو شتاء في حر أو قر ؛ ليأوي إلى حضانة التربية فيها على غير يد الأم ، والتغذية فيها بغير اللبن الفطري ، فإذا

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا