الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

الإيمان ومزاياه

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

الإيمان … ومزاياه – الحلقة العاشرة >؟<‏ بقلم د / السيد عبد الحليم محمد ‏ السبب الثالث من أسباب السكينة عند المؤمن نجاته من عذاب الشك :‏ بهذا الإيمان ، سلم المؤمن من الشك والاضطراب ، واستراح من البلبلة والحيرة ‏‏، التي يتجرع غصصها الجاحدون المرتابون ، لقد عرف أن له ربًّا - هو رب كل ‏شيء - الذي خلقه فسوّاه ، وكرمه وفضله ، وجعله في الأرض خليفة وكفل له ‏رزقه ، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه .‏ وعرف أن هذه الحياة القصيرة التي يعيشها الناس ، ممزوجة الخير بالشر ، ‏والعدل بالظلم ، والحق بالباطل ، واللذة بالأم ليست هي الغاية ، ولا إليها ‏المنتهى ، إنما هي مزرعة لحياة أخرى .‏ وعرف أنه لم يُخلق في هذه الحياة عبثًا ، ولم يترك سدى ، فبعث الله إليه رسله ‏بالبينات ، هداة ومعلمين ، مبشرين ومنذرين ، ليهتدي الناس إلى الحق ، ‏ويستبينوا معالم الطريق ، ويعرفوا ما يرضي الله فيتبعوه ، وما يسخطه فيتقون ‏‏.‏ وعرف المؤمن أنه ليس غريبًا على هذا الكون الكبير كله من حوله ، ولا معزولاً ‏عنه ، إن الكون كله معه ، ففطرة هذا الكون هي الإيمان ، هي التسبيح ‏والسجود للرب الأعلى : ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ ‏شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) [ ‏الإسراء : 44] . ‏ إن هذا الشك والاضطراب والقلق الذي يتقلب على جمره الحائرون والمرتابون في ‏وجود الله وحكمته ، وعدله ورحمته ، وجزائه في الآخرة ، ووحيه إلى رسله ‏ليس شيئًا هينًا إنه عذاب أليم ، وكوة فتحت على أهله من الجحيم ، تلفحهم ‏بنارها ، وتشوي قلوبهم بجحيمها ، وكلما خف لهيبها ، هبت عليهم ‏عواصف الشك من جديد ، فاشتعلت النار ليذقوا العذاب ، إنه سيحرمهم سكون ‏النفس ، وينغص عليهم حياتهم ، ويؤرق عليهم ليلهم ، ويكدر عليهم نهارهم ‏‏، إنهم يعيشون كما قال الله : ( مَعِيشَةً ضَنْكًا ) [ طه : 124] .‏ رابع أسباب السكينة عند المؤمن : وضوح الغاية : ‏ غير المؤمن يعيش في الدنيا تتوزعه هموم كثيرة ، في حيرة بين إرضاء غرائزه ، ‏وإرضاء المجتمع ، والمؤمن قد حصر غايته في رضوان الله تعالى ، لا يبالي معه ‏برضا الناس أو سخطهم ، شعاره :‏ إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب والمؤمن قد جعل همومه همًّا واحدًا ؛ يسأل الله في كل صلاة عدة مرات : ( اهْدِنَا ‏الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) [ الفاتحة : 6] ، وهو طريق واحد لا عوج فيه ولا التواء : ( ‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) [ ‏الأنعام : 153] ، وما أعظم الفرق بين الرجلين : ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ ‏أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ الملك : 32] ، واستهان المؤمن في ‏سبيل هذه الغاية بكل صعب ، ألا ترى إلى خبيب ، وقد صلبه المشركون ، ‏وأحاطوا به يظهرون الشماتة ، يقول : ‏ ولست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع لقد عرف المؤمن الغاية فاستراح إليها ، وعرف الطريق فاطمأن به ، إنه طريق ‏الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، إنه ( ‏الصراط المستقيم ) الذي يهدي إليه محمد صلى الله عليه وسلم : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي ‏إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52)صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) [ ‏الشورى : 52 ، 53] ، وبهذا الصراط المستقيم ، كان المؤمن في أخلاقه وسلوكه ‏‏، مطمئنًا غير قلق ، ثابتًا غير متقلب ، واضحًا غير متردد ، مستقيمًا غير ‏متعرج ، بسيطًا غير معقد ، إن له مبادئ واضحة ، يرجع إليها في كل عمل : ( ‏قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ‏قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(15)يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ‏السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ ‏المائدة : 15 ، 16] .‏ فالمقياس الخلقي عند المؤمن واضح ثابت ينحصر في رضا ربه ، وطاعة أمره ، ‏واجتناب نهيه ، معتقدًا أن في ذلك سعادة أولاه وأخراه .‏ وفي القصة التالية العجيبة - لأب وابن مؤمنين - مثل رائع لليقين الذي لا ‏يعرف الشك والمسارعة التي لا تعرف التردد ، أو الحيرة أو التخاذل في الله ، ‏شيخ كبير ، اشتاق إلى الولد ، ودعا ربه ، فأوتيه على الكبر ، وبشرته به ‏السماء : ( بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) ، فتعلق به قلبه ، وأفرغ فيه كل ما لديه من حنان ‏وحب ، وظل ينمو فينمو معه

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا