الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

الإيمان ومزاياه

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب الأدب
الإيمان ومزاياه … – الحلقة السادسة – السعادة – ‏
بقلم د : السيد عبد الحليم محمد ‏

السعادة هي الغاية التي ينشدها كل البشر ، والسؤال الذي حير الناس من قديم : ‏هو أين السعادة ؟ لقد طلبها الأكثر في غير موضعها ، فحسبوا السعادة في الغنى ، ‏وفي رخاء العيش ، لكن البلاد التي ارتفع فيها مستوى المعيشة ، لا تزال تشكو من ‏تعاسة الحياة ، فكثرة المال ليست هي السعادة ، بل ربما كانت كثرة المال أحيانًا ‏وبالاً على صاحبها في الدنيا قبل الآخرة ، لذا قال الله في شأن المنافقين : ( فَلَا ‏تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) [ التوبة ‏‏: 55] .‏
والعذاب هنا هو المشقة والنصب والذنب والألم والهم والسقم ، فهو عذاب دنيوي ‏حاضر ، على نحو ما ورد في الحديث : ( السفر قطعة من العذاب ) . [ صحيح ابن ‏ماجه (2330) ] .‏
وهذا ما نشاهده بأعيننا في كل من جعل المال والدنيا أكبر همه .‏
ومن أبلغ العذاب في الدنيا – كما قال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) – : تشتيت ‏الشمل ، وتفريق القلب ، وكون الفقر نصب عينيه لا يفارقه ، ومُحب الدنيا لا ‏ينفك عن ثلاث : همٌ لازم ، وتعبٌ دائم ، وحسرةٌ لا تنقضي ، وذلك أن محبها لا ‏ينال منها شيئًا إلا طمحت نفسه إلى ما فوقه ، كما في الحديث : ( لو كان لابن آدم ‏واديان من مال لابتغى ثالثًا ) . [ أخرجه البخاري : ( 6436)] .‏
ولقد طلب السعادة كثير من الناس في الأولاد ، ولكن كم من أولاد جروا على آبائهم ‏‏، وجزوهم بالعقوق والكفران بدل البر والإحسان ، فمن الآباء من يقول لولده آسفًا ‏آسيًا :‏
غذوتك مولودًا وعلتك يافعًا ‏
تُعلّ بما أسدي إليك وتنهل
إذا ليلة نابتك بالشجو لم أبت ‏
لبلواك إلا ساهرًا أتململ
فلما بغلت السن والغاية التي ‏
إليها مدى ما كنت فيك أؤُمل ‏
جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المنعم المتفضل
ثم ما حيلة الذين حرموا من الأولاد ؟ أحكم عليهم بالشقاء المؤبد ، والتعاسة ‏الدائمة ؟ هل العلم التجريبي الذي قرب للإنسان البعيد ، وذلل له الصعب أن ‏يُحقق له السعادة ؟‏
الحقيقة أن المعرفة لا تبقي سببًا للسعادة ، بل كثيرًا ما تكون داعية قلق ، ‏واضطراب .‏
فعلمنا وإن اتسع المدى ضيق إلى مدى الوجود الذي لا نهاية له ، فالسعادة إذن ‏ليست في وفرة المال ، ولا الجاه ، ولا الولد ، ولا العلم المادي ، إنما هي صفاء نفس ‏‏، وطمأنينة قلب ، وانشراح صدر ، فسعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي ‏لا سلطان لأحد عليه غير ربي .‏
هذه هي السعادة الحقة ، التي لا يملك بشر أن يعطيها ، ولا يملك أن ينزعها ممن ‏أويتها .‏
ولا يُجحد أن للجانب المادي مكانًا في تحقيق السعادة ، كيف ؟ وقد قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم : ( من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح ، ‏والمركب الصالح ) . رواه أحمد بإسناد صحيح .‏
فحسب الإنسان أن يسلم من المنغصات المادية التي يضيق بها الصدر ، من مثل : ‏المرأة السوء ، والمسكن السوء ، والمركب السوء ، وأن يمنح الأمن والعافية ، ويتيسر ‏له القوت في غير حرج ولا إعنات ، وما أصدق وأروع الحديث النبوي : ( من أصبح ‏آمنًا في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا ‏بحذافيرها ) . رواه البخاري في (الأدب المفرد ) والترمذي ، وقال : حسن غريب ‏‏، وابن ماجه .‏
لقد فجر الإيمان في قلب الإنسان ينابيع للسعادة ، تلك هي ينابيع السكينة ، ‏والأمن ، والأمل ، والرضا ، والحب .‏
فالسكنية : الينبوع الأول للسعادة ، ومصدرها : الإيمان بالله واليوم الآخر .‏
أسباب السكينة لدى المؤمن :‏
‏1- إن أول أسباب السكينة لدى المؤمن أنه قد هُدِيَ إلى فطرته التي فطره الله عليها ‏‏، يملؤه الإيمان بالله جل وعلا ، وستظل الفطرة الإنسانية تحس بالتوتر ‏والجوع والظمأ ، حتى تجد الإيمان الصحيح ، فالإنسان خلق جمع بين قبضة من ‏طين ، ونفخة من روح الله ، فمن أعطى الجزء الطيني فيه غذاءه وريه مما ‏أنبتت الأرض ، ولم يعط الجانب الروحي غذاءه من الإيمان ومعرفة الله ، فقد ‏بخس الفطرة الإنسانية حقها ، وحرمها مما به حياتها وقوامها .‏
قال ابن القيم رحمه الله : ( في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله .‏
وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته ، ‏وصدق معاملته ، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه ، وفيه نيران ‏حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ، ومعانقة الصبر على ذلك إلى ‏وقت لقائه ، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ، ودوام ذكره ، وصدق ‏الإخلاص له ، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدًا ) [(مدارج ‏السالكين )] . ‏
إنها الفطرة التي لم يملك مشركوا العرب في جاهليتهم أن ينكروها مكابرة وعنادًا : ‏‏(

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا