الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

الإيمان ومزاياه

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب الأدب ‏
الإيمان ومزاياه – الحلقة الخامسة – ‏
بقلم د / السيد عبد الحليم محمد

الإنسان مخلوق كرمه الله ، خلقه ربه في أحسن تقويم ، صور آدم فأحسن صورته ، ‏ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وميزه بالعلم ، فالإنسان محور النشاط ‏في الأرض ، سخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا ، وأسبغ عليه نعمه ‏ظاهرة وباطنة ، فكل ما في الكون له ولخدمته ، أما هو فجعله تعالى لنفسه .‏
إن الإنسان شيء ضئيل بالنسبة لسعة الكون من حيث حجمه ، وحياة جسمه ، ‏ولكنه من حيث روحه وكيانه المعنوي شيء كبير ، وهل الإنسان في الحقيقة إلا ‏تلك الروح ، وذلك الكيان المعنوي ؟‏
حقًّا ، إن الإنسان من حيث عمره القصير على الأرض لحظة في عمر الأزمنة البعيدة ‏الضاربة في أغوار القدم – إن صح ما قالوا – ولكن المؤمنين يؤمنون أن الموت ليس ‏نهاية الإنسان ، إنه محطة انتقال إلى الأبد الذي لا نهاية له ، إلى دار الخلود ، ‏إلى حيث يقال للمؤمنين : ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) [ الزمر : 73] .‏
وإذا كانت هذه كرامة الإنسان في نظر الدين عامة ، فله في القرآن خاصة أعظم مكانة ‏‏.‏
تحدث القرآن عن الإنسان في عشرات ، بل مئات من آياته ، وحسبنا أن أول فوج ‏من آيات الوحي الإلهي نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، ‏وكانت خمس آيات ، لم تغفل شأن الإنسان وعلاقته بربه ، علاقة الخلق والتكريم ‏‏، وعلاقة الهداية والتعليم ، واختارت الآيات لفظ (الرب) لما يشعر به من التربية ‏والرعاية والترقية في مدارج الكمال : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الْإِنْسَانَ ‏مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)‏
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) [ العلق : 1- 5] .‏
وفي آيات كثيرة من سور شتى ، بين القرآن قرب الإنسان من الله ، ذلك القرب ‏القريب الذي حطم أسطورة الوسطاء والسماسرة المرتزقين بالأديان ، الذين جعلوا ‏من أنفسهم (حُجابًا) على أبواب رحمة الله الواسعة ، والله يعلم إنهم لكاذبون : ( ‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان ) [ البقرة : 186] ، ‏‏( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) [ البقرة : 115] ، ( وَلَقَدْ ‏خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد ) [ ق : ‏‏16] ، ( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا ‏أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) [ المجادلة : 7] .‏
ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في أحاديثه عن ربه : ( أنا عند حسن ‏ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ‏ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ، وإن تقرب إليَّ شبرًا ، تقربت إليه ذراعًا ، ‏وإن تقرب إليَّ ذراعًا ، تقرب إليه باعًا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) . رواه ‏البخاري .‏
وقد أراد الله أن يكرم آدم ، فأمر الملائكة أن تسجد له : ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي ‏خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ(71)فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ‏سَاجِدِينَ(72)فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ(73)إِلَّا إِبْلِيسَ ) [ ص : 71 – 74] .‏
ولقد عصى إبليس أمر ربه فأبى السجود لهذا الإنسان ، ودفعه الحسد والغرور أن ‏أبى واستكبر وكان من الكافرين ، واتخذ من الإنسان موقف العداء ، فماذا كانت ‏عاقبة هذا العدو المبين ؟ كانت كما ذكر القرآن قال : ( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ ‏رَجِيمٌ(77)وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) [ ص : 77 ، 78] .‏
أما مركز الإنسان في هذا الكون المادي العريض فهو مركز السيد الذي سخر كل ما ‏في هذا العالم لنفعه ، ولإصلاح أمره ، وكأن كل شيء في هذا الكون قد (نسج) من ‏أجله ، و ( فصل ) على ( قده ) تفصيلاً : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ‏وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ‏الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ(32)وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ‏اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ(33)وَءَاتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) [ ‏إبراهيم : 32 – 34] ، ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ‏وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَث

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا