الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

الإيمان واليوم الآخر

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

من روائع الماضي
أحسن ما قرأت ‏
الإيمان واليوم الآخر
كتبه الشيخ / أبو الوفاء محمد درويش (رحمه الله) ‏

إن الإيمان باليوم الآخر من أوثق أركان الإيمان ، وجميع الأديان السماوية تشترك في الدعوة ‏إلى الإيمان به ؛ لأن الذي لا يؤمن بالبعث لا يتحرج عن مأثم ، ولا ينتهي عن منكر ، ولا ‏يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة ، ولا يرجو لله وقارًا ؛ لأنه لا يرجو ثوابًا ، ولا يخشى عقابًا ، ‏وأكثر ما يحفز الناس إلى فعل الخير : رجاء الثواب ، وأكثر ما يزعهم عن اقتراف الشر ‏خوف العقاب ، فإذا لم يرجو ثوابًا ، ولم يخشوا عقابًا لم يفعلوا خيرًا ، ولم ينتهوا عن شر ‏‏.‏
وإذا كنا نرى كثيرًا ممن يدعون الإيمان بالبعث والجزاء ، يقترفون شر المنكرات بغير خجل ‏ولا استحياء ، فكيف بمن لا يؤمن ببعث ولا جزاء ؟‏
الإيمان بعدل الله يقتضينا الإيمان بالبعث والجزاء ، لأننا نرى في الدنيا أشخاصًا طيبيين ‏مستقيمين صالحين ، ولكن حظوظهم في الدنيا منقوصة يقاسون أحيانًا شظف العيش ، وذل ‏الحاجة ، وأحيانًا يقاسون ألم المرض والحرمان من العافية ، وطورًا يضطهدهم الأشرار ، أو ‏تعتريهم النكبات ، وتحل بهم الكوارث ، ونرى أشرارًا مستمتعين بالصحة والعافية ‏والثراء الواسع والجاه العريض ، ويأبى عدل الله إلا أن يسوي بين عباده ، فمن فاته حظه ‏في الدنيا لابد أن يناله في الآخرة ، ولابد أن يجزى الناس بأعمالهم ، إن خيرًا فخير ، وإن ‏شرًا فشر ، فإذا انقضى الأجل الذي كتبه الله لهذه الحياة نُفخ في الصور ، والنفخ في الصور ‏حدث من أحداث القيامة لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى ، يترتب عليه تغير كلي في هذا العالم ‏‏، واضطراب في نظامه ، فتكور الشمس ، وتنكدر النجوم ، وتنشق السماء ، وتدكدك الأرض ‏‏، وتسير الجبال ، وتسجر البحار ، ويصعق من في السماوات والأرض ، ثم ينفخ فيه مرة ‏أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون ، فيحاسبهم الله ويزن أعمالهم بالقسط .‏
قال تعالى : ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [ الأعراف : ‏‏8] .‏
ولقد وصف الله تعالى ذلك اليوم وما فيه من جسام الأحداث أصدق وصف ، وصوره أروع ‏تصوير ، فقال تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ‏وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ‏قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ(71)قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ‏فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ(72)وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ‏وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) [ الزمر : 71 – ‏‏73] .‏
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة في وصف شقاء أهل الجحيم ، ونعيم أهل الجنة ، لا أطيل ‏القول بإيرادها .‏
لم يطالبنا رب العزة جل ثناؤه بالإيمان بالبعث بغير أن يقيم لنا الأدلة الساطعة ، ‏والبراهين الناصعة على قدرته تعالى عليه ، وعلى أن العقول السليمة تقره ولا تؤمن بسواه ، ‏وعلى أنه من مقتضيات العدل ، وأن العدل لا يتم بدونه ، ولو لم يفصل لنا هذه الأدلة لم ‏يكن إيماننا إيمانًا ، بل خضوعًا وإذعانًا ، ولكنه سبحانه اراد أن يكون إيماننا بالبعث والنشور عن اقتناع ويقين ، وطمأنينة قلب ، ومتانة عقد ؛ فذكر في كتابه العزيز – الذي لا ‏يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه – الأدلة القاطعة التي لو تأملها المتأمل ، وتدبرها ‏المتدبر ، لم تدع عنده مساغًا لشك ، ولا مجالاً لريبة ، ولملأت عقله يقينًا ، قلبه طمأنينة ، ‏ونفسه سكينة ، وصدره ثلجًا .‏
قص الله تعالى ما كان من أمر ذلك الذي مر على قرية هامدة ليس فيها إلا العظام النخرة ، ‏والفرات السحيق ، فتعاظمه الأمر ، وسأل نفسه سؤال من ملك عليه العجب أقطاره : كيف ‏يحيي الله هذه القرية بعد موتها ؟ فأقنعه الله تعالى بالدليل العملي أن إعادتها إلى الحياة لا ‏يعجز رب العزة القادر على كل شيء ، فاستمع إلى الآية الكريمة في روعة بلاغتها ، وجمال ‏قصصها ، وبالغ إقناعها ، وناصع سلوكها ، يقول تعالى : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ ‏خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ ‏لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ ‏يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمّ

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا