الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

الأمر بأداء الأمانة

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

باب التفسير
الأمر بأداء الأمانة
بقلم الشيخ / عبد العظيم بدوي

قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [ النساء : 58] .
لما وصف الله تعالى اليهود بكتمان الحق وخيانة الأمانة ، حيث قالوا للذين كفروا : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً ، أمر المؤمنين في هذه الآية بأداء الأمانات في جميع الأمور ، سواء كانت تلك الأمور من باب المذاهب والديانات ، أو من باب الدنيا والمعاملات .
قال الرازي : (واعلم أن معاملة الإنسان إما أن تكون مع ربه ، أو مع نفسه ، أو مع سائر العباد ، ولا بد من رعاية الأمانة في جميع هذه الأقسام الثلاثة ، أما رعاية الأمانة مع الرب فتكون بفعل المأمورات وترك المنهيات ، وهذا بحر لا ساحل له ، قال ابن مسعود : الأمانة في كل شيء لازمة ، في الوضوء والغسل ، والصلاة والزكاة والصوم ) (1) .
فالوضوء أمانة يُطلب منك أن تؤديها على أكمل الوجوه بإسباغ الوضوء والتزام ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه من غير زيادة ولا نقصان ، والغسل من الجنابة أمانة يجب عليك أن تحافظ عليها بالاغتسال كلما لزمك الاغتسال لسبب من الأسباب ، كما يجب عليك أن تفيض الماء على جميع جسمك لا تترك فيه قدر لمعة ، ويندب أن تغتسل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل .
والصلاة أمانة مطلوب منك أن تحافظ عليها ، بإسباغ وضوئها ، والحرص على أول وقتها ، وشهود الجماعة فيها ، والخشوع والخضوع لله رب العالمين ، وأن تحسن قراءتها ، وتطمئن في ركوعها وسجودها ، وأن تصلي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي .
والزكاة أمانة يجب عليك أن تؤديها كلما وجبت عليك في نقد أو زرع أو ماشية ، وأن تؤديها عن طيب نفس كاملة غير منقوصة ، وأن تضعها في يد مستحقيها من الفقراء والمساكين وغيرهما من مصارفها التي بينها الله تعالى في قوله : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ ) [ التوبة : 60] .
والصيام أمانة ، يجب عليك أن تراقب الله فيها ، وأن تؤديها كما أمر ، من غير صخب ولا رفث ولا فسوق ، وإن امرؤ سبك أو شاتمك فلتقل : إني صائم ، إني صائم ، وليصم سمعك وبصرك وجوارحك ، وليكن عليك يوم صومك سكينة ووقار ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء .
فكلما اجتهد الإنسان في أداء هذه العبادات على النحو الذي يرضي الله تعالى كان مؤديًا للأمانة ، وكلما انتقص منها كان خائنًا للأمانة بقدر ما انتقص منها .
وقال ابن عمر ، رضي الله عنهما : ( إن الله تعالى خلق فرج الإنسان وقال : هذا أمانة خبأتها عندك فاحفظها إلا بحقها) .
فإن حفظ الإنسان فرجه عن نظر من لا يجوز له النظر إليه ، ومس من لا يجوز له الاستمتاع به ، فقد أدى الأمانة ، وكلما اقترف شيئًا مما حرم الله عليه فقد خان الأمانة ، وكذلك يقال في سائر الأعضاء ، فالأذن أمانة ، يجب عليك أن تصونها عن سماع ما حرم الله سماعه ، من المعازف والأغاني ، والخنا والفجور ، والكذب والغيبة ، والطعن في الدين ، وأن تستمع إلى ما أمرك الله به بالاستماع إليه من القرآن الكريم ، والقول الطيب ، والموعظة الحسنة ، والعين أمانة ، يجب أن تغضها عن النظر إلى ما حرم الله النظر إليه من النساء وغيرهن من زينة الحياة الدنيا ، وأن تقلبها في ملكوت السماوات والأرض ، ليزداد إيمانك ، ويقوى يقينك .
واللسان أمانة ، يجب عليك أن تمسكه عما حرم الله عليك الخوض فيه ، من الكذب والغيبة والنميمة ، وشهادة الزور ، والقول على الله بغير علم ، ونحو ذلك ، وأن تطلق لسانك في قراءة القرآن ، وذكر الله ، والاستغفار ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الخير ، ونحو ذلك من القول الطيب ، وقُل مثل ذلك في كل أعضاء البدن وحواسه .
وأما أمانة الإنسان مع نفسه فمعناها : أن ينظر فيما ينفعها فيأتيه ، وفيما يضرها فيتركه ، ولا ينفع النفس شيءٌ مثل الإيمان ، ولا يضرها شيء مثل الكفر ، وأن يختار لها الطريق التي ينفعه المشي فيها ، وأن يبتعد بها عن الطريق التي يضرها السير فيها ، ولا أنفع للنفس من صراط الله المستقيم ، المتمثل في عبادة الله على طريقة رسول الله ، ولا أضر عليها من سبل الشيطان ، المتمثلة في الشرك بالله عز وجل وعبادته على طريقة أهل الأهواء والبدع .
فمن اختار لنفسه الأصلح في دينها ودنياها فقد أدى الأمانة فيما بينه وبين نفسه ، ومن قهرته شهوته ، وغلبته نفسه الأمارة بالسوء ، فآثر الكفر على الإيمان ، أو المعصية على الطاعة ، أو البدعة على السنة ، لكسب عاجل ، أو لذة فانية ، فقد خان نفسه.
أما

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا