الافتتاحية
الأسرة المسلمة … في بلاد الغرب
بقلم الرئيس العام / محمد صفوت نور الدين
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخير خلق الله أجمعين سيدنا محمد بن عبد الله وآله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين . وبعد :
فإن معركة حامية الوطيس ، مشتعلة الجزوة ، متأججة لا تهدأ ، ولهيبها لا ينطفئ ، وبصيصها لا يخبو ، قد اشعلت كل يابس ، ثم أصابت الأخضر بالجفاف ، فصار يابسًا ، إلا من رحم ربي ممن تمسك بدينه والتحق بالمسلمين مقتديًّا بالأولين محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الأمين ، تلك هي المعركة الدائرة بين الشيطان والإنسان : ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ) [ الإسراء : 62] ، وإن نتيجة الخاسر في المعركة عذاب شديد : ( قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا ) [ الإسراء : 63] .
هذا ، وإن الشيطان في عدواته ليستخدم كل ما يستطيع من وسائل لهدم الإنسان وإخراجه من أسباب سعادته إلى شقاوته في الدنيا والآخرة : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ) [ الإسراء : 64] ، ولا يظفر في تلك المعركة إلا من أطاع الله في شرعه ، ولزم الأنبياء في منهجهم ، واقتدى بهم : ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) [ الإسراء : 65] .
تلك المعركة تدور رحاها في الأسواق والشوارع والطرقات ، وقد تسربت إلى كافة المجتمعات ، إلا أن أصعب دروبها وأشد آثارها هو ما يحدث في البيوت وداخل الأسر وبين أفرادها ، ففي الحديث : ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، ثم يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعت شيئًا ، قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ، قال : فيدنيه منه ويقول : نِعْمَ أنت ) . رواه مسلم .
ولما كانت الأسرة دعامة الأمة ، فلقد سدد الشيطان إليها سهامه وتسلط عليها بحيله ليقضي عليها أو يفككها ، من أجل ذلك جعل الله في الشرع الشريف الذي أنزله على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، وجعل في الفطرة النقية السليمة كمال الحماية وجمال الحفظ للأسرة والسياج الواقي ، فلا يبلغها ضر ولا ينالها شر ، فمن أجل المحافظة على الأسرة في المحل الرفيع أحاطها بكافة الوسائل التي تعتني بها لتسلم من كافة الأخطار ، وتنجو من جميع الشرور ، من عمل بتلك الوسائل الشرعية سلم بأسرته من كيد الشيطان وأعوانه .
أولاً العناية الفطرية : جعل الله سبحانه الأسرة تلبية لحاجات فطرية لا تؤدى إلا بها ، فحاجة الرجل للمرأة وحاجتها له ، وحاجة الولد لهما ، وبقاء الطفل يحبو في ضعفه ، ويحتاج إلى رعاية سنوات طويلة ، إنما يكون ذلك في ظل أسرة تلقنه السلوك السوي وتطبعه بالخلق الكريم ، فالله سبحانه لم يجعل الإنسان كالحيوان يقضي شهوته ، ثم ينفصل عن أنثاه ويولد لها ، فلا يسأل المولود عن أبيه ، بل وسرعان ما يستغني عن أمه ، فيقوم على رجليه ويطلب طعامه ، فلا يطلب من الحيوان تعلم في لغة أو سلوك اجتماعي ، إنما كل سلوكه إلهامات فطرية يؤديها الحيوان بغير تعلم .
ثانيًا العناية الشرعية : وهي التي تتمثل في نصوص القرآن التي عرَّفت الإنسان منذ كان ( منيٍّ يمنى ) ، ثم خرج من بين الصلب والترائب ، ثم تدرج من نطفة إلى علقة ، إلى مضغة ، إلى عظام ولحم ، حتى جعله الله خلقًا آخر ، ثم حدد أحكام حمله ورضاعه وفصاله وآداب تعلمه واستئذانه ، وأحكام بصره وسمعه وقلبه ولسانه ورجله ويده ، وكل أمر من أُموره ، ثم حدد أحكام المال والوقت والزواج والطلاق والموت والميراث وبين الفصل في الخصومات وحل المنازعات ، حدد الأحكام عند الوفاق والطمأنينة ، ووضع الحدود عند الخلاف والشجار والفرقة ، فكانت العناية الشرعية بالأسرة وبسائر أفرادها ، فوصى الإنسان بوالديه ، خاصة عند الكبر ، ووصى الوالدين بالوليد ، خاصة عند الرضاع وحال الصغر ، وشدد التوصية على الضعيف وعند الحاجة من فقر أو مرض ، فبين أحكام الأسرة وحدده تحديدًا كاملاً شاملاً لطيفًا ، وجعل لها منهجًا تسعد الأسرة إذا سارت عليه فيجني كل واحد ثمارًا شهية ، ويستمتع كل في تلك الأسرة بحياة طيبة يملؤها الرضا والسعادة والسرور .
جند الشيطان : لكن الشيطان جند جندًا هبت ريحهم لتعصف بالأسرة فغرست العداء بين الرجل والمرأة مع أن الله سبحانه جعل بينهم المودة والرحمة ، لكن الشيطان غرس بوسائله الشحناء والفرقة ، أما الأبناء عند الآباء ، فمع أن ال


