الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1447 25-11-2025

اتباع الهوى وفرقة المسلمين

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

اتباع الهوى … وفرقة المسلمين
كتبه الشيخ : عبده أحمد الأقرع

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، و آله ومن والاه . وبعد :
فإن من أعظم الآفات التي قد يُصاب بها المسلم اتباع الهوى ، لذا فقد تضافرت النصوص الشرعية والآثار السلفية في ذم الأهواء المضلة ، والتحذير من اتباعها ، ومن ذلك ما خاطب الله تعالى به نبيه داود – عليه السلام – بقوله : ( يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [ ص : 26] .
وقال في حق نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [ الجاثية : 18] ، وقال تعالى : ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) [ البقرة : 145] ، وقال تعالى : ( قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) [ الأنعام : 56] ، وقال تعالى مخاطبًا عباده المؤمنين ومحذرًا لهم من اتباع الهوى : ( فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ) [ النساء : 135] ، وأخبرنا تعالى بأنه لا أحد أضل ممن يتبع هواه بغير هدى ولا علم ، كما قال تعالى : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ) [ القصص : 50] ، وقال تعالى : ( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [ الروم : 29] ، وقال تعالى : ( وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ، وقد بين ربنا سبحانه أن اتباع الهوى سبب لفساد الأمور ، فقال تعالى : ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنّ ) [ المؤمنون : 71] .
وأنه سبب الضلال عن الهدى والهوان في الدنيا ، فقال سبحانه : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ( 175 )وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [ الأعراف : 175 ، 176] .
وإنه موجب للعقوبة من الله ، فيطبع على قلبه ، ويختم على سمعه ، ويجعل على بصره غشاوة ، فقال سبحانه : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) [ الجاثية : 23] ، وقد أخبرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن اتباع الهوى من المهلكات ، فقال – عليه السلام – : ( ثلاث منجيات ، خشية الله تعالى في السر والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والقصد في الفقر والغنى ، وثلاث مهلكات : هوى مُتبع ، وشح مُطاع ، وإعجاب المرء بنفسه ) [ ( صحيح الجامع ) ( 1/ 583 ) ] .
ولقد حذر السلف – رحمهم الله – من الهوى واتباعه ، ورهبوا من مجالسة أهله وأصحابه ، ومن ذلك ما ذكر عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال : ( إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : طول الأمل واتباع الهوى ، فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ) [ ذكره الإمام أحمد في ( الزهد ) ( ص 92 ) ] .
( ومن مظاهر اتباع الهوى فرقة المسلمين وانقسامهم على أنفسهم ، فإن فرقة المسلمين كانت ومازالت السبب الأول في ضعفهم وعجزهم وانهزامهم في كل معارك الحياة ، إنها فرقة منكرة خطيرة قسمت الأمة الواحدة إلى أمم ، والدولة إلى دويلات ، والجماعة الواحدة إلى جماعات ، والطريقة الواحدة إلى طرق ، والمذهب الواحد إلى مذاهب شتى ، ويا للأسى والأسف معًا ، وسبحان الله ! كيف رضيها المسلمون لأنفسهم مع أن الشرائع الإلهية كلها قد أجمعت على ضرر الفرقة وسوء أثرها في الأمم والجماعات ، واعتبرتها داء عضالاً ، ومحنة قاسية شديدة تصاب بها الأمم والشعوب فتدمرها وتقضي على حياتها ووجودها ) [ من ( اقتضاء الصراط المستقيم في الكلام على الاختلاف والافتراق ) ] .
وهذا القرآن الكريم ينْعَاهَا على أهلها ، ويحذر المسلمين من الوقوع فيها فيقول : ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران : 105] ، ويقول : ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِي

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا