إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون
بقلم : حسن عبد الوهاب البنا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – أما بعد :
فإن الله تعالى خلق بنى آدم وجعل من آياته سبحانه فيهم اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأشكالهم وسوى نفوسوهم فألهم كل نفس فجورها وتقواها فمن الناس من زكى نفسه فأفلح ومنهم من دساها فخاب وخسر قال تعالى ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ” الشمس 7-10
واقتضت حكمته تعالى ورحمته أن من زكى نفسه أى طهرها ونقاها من الشرك والكفر ولم يتبع دين الآباء – إذا خالف شرع الله – هو الجدير بالخلافة فى الأرض وتمكين الدين والفلاح لأنه وافق فطرة الله التى فطر الناس عليها وعلى العكس من ذلك فإن الذى دسى نفسه مع الصالحين وهو ليس منهم أو جعلها خسيسة قليلة بالعمل الخبيث (1) فإن الله قد حكم عليه بالخيبة والخذلان لأنه خالف الفطرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فأبواه يهودانه أو يمجسانه” (رواه الطبرانى وأبو يعلى) (2) .
وأول من زكاهم الله تعالى ووفقهم لتزكية أنفسهم هم الرسل والأنبياء المصطفون الأخيار اختارهم سبحانه وتعالى على علم . ثم أنزل عليهم الكتب لدعوة الناس لتزكية أنفسهم حتى يكونوا جديرين بالعبودية الخالصة لله تعالى ثم السعادة فى الدنيا والجنة التى لا يدخلها إلا الطيبون .
فمن استجاب لدعوة الرسل وأخذ بطريق العلم النافع ووفقه الله للعمل الصالح جعله الله من الأعلين. قال تعالي ” وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ” (آل عمران 139 ) وهل يسع هؤلاء وأمثالهم إلا أن يسلموا أنفسهم خالصة لله تعالي ويسألوه الهدي والتقي والعفاف والغني حتي يصيروا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فيمكن الله تعالي لهم دينهم الذي ارتضي لهم ويبدلهم من بعد خوفهم أمنا.
ان رسل الله عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالإسلام فهم أبناء آدم أولاد علات، دينهم واحد مع اختلاف الشرائع (اختلاف تنوع لا تضاد) حسب ظروف وأحوال الأمم وتدرجها في الكمال حتي وصل الأمر إلى خير أمة أخرجت للناس، والتي أنزل الله علي رسولها قوله تعالي” ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ “(البقرة 285).
قالوا عن موسي عليه السلام انه أتي من عند الله باليهودية، واليهود يقولون عزير ابن الله، فهل هذه المقولة صدرت عن موسي عليه السلام؟ وقد ورد في القرآن الكريم أن الله تعالي قال لموسي عليه السلام ” إننى أنا الله لا اله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ” (طه 14 ) كما ورد أن فرعون لما أدركه الغرق قال ” ءَامَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” (يونس 90 ).
كذلك قالوا عن عيسي عليه السلام إنه أتي من عند الله بالنصرانية والنصاري يقولون المسيح ابن الله. فهل قال عيسي لقومه ” اعبدوني فأنا ابن الله ” أو ” أنا الله ” ؟ وقد جاءت آيات القرآن العظيم تدحض هذه العقائد. قال تعالي علي لسان عيسي عليه الصلاة والسلام ” مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” ( المائدة 117 ) وقال تعالي ” فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ” ( آل عمران 52 ).
كما قص علينا القرآن العظيم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام تنازعته ثلاث فرق كافرة. قال تعالي ” مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” ( آل عمران 67 ) .
فقل لي بربك يا أخي بعد كل هذا وغيره من الآيات البينات والبراهين الواضحات كيف يدعي مدع أن أنبياء الله ورسله جاءوا بغير الاسلام، والأنكي من ذلك أن يدعوا هؤلاء الي عقائدهم مرغبين الناس فيها حيث قالوا كما ذكر عنهم القرآن الكريم: ” وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” ( البقرة 135 )
ان أهل الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت. قال الشعبي ومجاهد ” الجبت: السحر ” ومن السحر سحر البيان (3)


