إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
بقلم: سليمان رشاد محمد
نشرت جريدة الجمهورية بعددها الصادر بتاريخ 27 محرم 1398 ( 6/1/1978 ) كلمة للدكتور محمد سعاد جلال تحت عنوان ( قرآن وسنة ) قال فيها: إنه توجد حروف زائدة في القرآن لا تؤدى أي غرض، فقال:
1- قال تعالى: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا . أَلاَ تَتَّبِعَنِ} [طه: 92،93]. ثم علق وقال إن الحرف ( لا )مزيد، ولا يؤدي أي غرض، بل وجوده يؤدي إلى نوع من اللبس في الكلام لأنه نفى في موضع الإثبات.
هذا ما قال الدكتور بالحرف- ولا أدرى إذا كان للسن دخل في مفاهيم بعض الناس- فإن المعنى بغير ( لا ) الذي ينكره لا يستقيم، فموسى يقول لأخيه هارون عليهما الصلاة والسلام لماذا لم تتبع أمري وطريقتى في معالجة بني إسرائيل بالحزم والشدة إذ رأيتهم ضلوا، فيجيب هارون: خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل. فأنت ترى أيها القارئ الكريم أن الموضع نفي لا موضع إثبات.
2- ثم قال الدكتور سعاد في حرف ( لا ) في قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] ما قال في آية ( طه )، ونقول فيه أيضًا أن المعنى لا يستقيم بدونه، فالمعنى أنه سبحانه وتعالى ما دام قد كتب على قرية الهلاك فإنها لا يمكن أن ترجع عن غيها. أو أنه إذا أهلكها فعلا فإن أهلها لا يرجعون إلى الحياة مرة أخرى.
3- ثم قال الدكتور- بناء على فهمه لتلك الحروف- فإذا قلنا إن هذه الحروف الزائدة لقصد الإيقاع الموسيقي، فشرط ذلك أن لا يزاحم الوفاء بالمعنى المراد، وإيصاله إلى نفس المخاطب.
وما كنا نود أن يتورط فضيلة الدكتور- وهو الذي له الماضي الطيب والمواقف الصادقة في التوحيد وغيره من القضايا- ما كنا نود أن يتورط مع القائلين بالإيقاع الموسيقي، الناسبين القرآن إلى الموسيقي وكان الأولى به أن يقول: ترتيل القرآن، أو تجويد القرآن. هذا بالإضافة إلى أن تلك الحروف ليست زائدة كما بينا.
4- ثم قال الدكتور: إنه ربما كان سبب الحروف الزائدة- كما قال الشاطبي- أن اللغة العربية نقصها مقدار من التفتيح والتنسيق ثم قال: فمثل وجود هذه الحروف الزائدة التي لا نعرف لها فائدة أصلاً هي من أثر عدم تفتيح اللغة.
وكنت أظن كلمة ( تفتيح ) التي نسبها إلى الشاطبي غلطة مطبعية وأنه يقصد ( تنقيح ) فإذا هو يكررها في تعليقه، فلم أفهم بالضبط ماذا يقصد. وسواء قال الشاطبي بعدم تفتيح اللغة فقط، ثم هو يريد أن يوهم أن الشاطبي قال أن تلك الحروف زائدة، أو قاله كلاهما فإن الحق أكبر منه ومن الشاطبي.
5- أرجو فضيلة الدكتور أن يراجع ما قاله فضيلة الأستاذ عبد الكريم الخطيب في كتابه ( التفسير القرآني للقرآن ) عند تفسير الآية الأولى ( ص 820،821 ) من الكتاب الثامن، وتفسيره للآية الثانية( ص 953 ) من الكتاب التاسع، ثم ليته يقرأ الفصل الذي عقده الأستاذ عبد الكريم الخطيب بعنوان ( الحروف التي يقال بزيادتها…. وما تأويلها ) في ( ص 802 ) من الكتاب الرابع عشر من ( التفسير القرآني للقرآن ) فهو يقرر أن هذه الحروف من بنية الكلام في المواضع التي وردت فيها من القرآن كما أنزله اللَّه سبحانه وتعالى، فإننا إذا قلنا إنها زيدت فذلك ينافي قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فإنه تعهد بحفظ كل كلمة بل كل حرف من حروف كلامه.
أخشى أن يكون الدكتور جلال سببًا في فتح الباب- هذه المرة في القرآن- للخوض فيه بما لا يليق، ورجاؤنا أن لا يعود لهذا الأمر مرة أخرى حتى لا يكون سببًا في فتح باب فتنة جديدة.
واللَّه المسئول أن يهدينا سواء السبيل، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سليمان رشاد محمد
2


