أيهما الذبيح: إسماعيل أو إسحاق؟
بقلم فضيلة الشيخ محمد جمعة العدوى
أعداء الإسلام من اليهود والنصارى يحاولون- دائمًا- سلب الإسلام من كل مكرمة، وتجريده من كل شرف، وإلحاق المذلة به إذا وجدت فرصة مواتية. من ذلك قولهم: أن الذبيح ليس هو إسماعيل وإنما هو إسحاق.
واليهود بالذات يحاولون تأكيد تلك القضية ليستحوذوا على ذلك الشرف وينسبوه إلى جدهم إسحاق، وهم بذلك يؤكدون نظريتهم في التفوق، والسمو على بقية الأجناس.. ويحتجون على ذلك بما ورد في الإصحاح الثانى والعشرين من سفر التكوين الذى يقول عن تلك الحادثة: ( وحدث في هذه الأمور أن امتحن اللَّه إبراهيم فقال له: خذ ابنك ( وحيدك ) ( الذى تحبه ) ( إسحاق ) واذهب به إلى بلاد موريجا وقدمه ضحية محرقة فوق جبل سأحدده لك في هذه المنطقة ).
وهذا النص في نظريتهم دليل على أن الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيل.. لكن المتأمل في هذا النص يجد أن هناك ألفاظًا حشرت حشرًا، ليستدل بواسطتها على أن الذبيح هو إسحاق.. وأول هذه الكلمات كلمة ( الذى تحبه ) فهل هناك أب لا يحب ابنه؟ إنك تحس بأن الكلمة حشو غير طبيعى، جئ بها لتخدم غرضًا معينا.. أما كلمة ( وحيدك ) الذى وردت في النص فهى أكبر الأدلة على التضليل والتزييف، ووجودها يؤكد أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق، فمن المعروف والمسلم به من الجميع يهود ومسلمين أن إسحاق لم يكن الابن الوحيد لإبراهيم، لأنه ولد بعد أخيه إسماعيل بأربع عشرة سنة. وذلك ثابت في كتبهم وأسفارهم، أما الذى يطلق عليه كلمة ( وحيدك ) فليس سوى إسماعيل.. والسؤال الذى نوجهه إلى اليهود: كيف يكون إسحاق هو الابن الوحيد وقبله أخ يكبره بأربع عشرة سنة هو إسماعيل وإسماعيل لم يكن قد مات حتى نقول أن إسحاق أصبح هو الوحيد؟ ولا يمكن أن تكون هناك إجابة معقولة على هذا السؤال.
ويبدو أن الذين كتبوا سفر التكوين قد نقلوا صدر هذه الفقرة من التوراة هكذا ( اذهب بابنك ) فقط، لكنهم أقحموا ما أقحموه بعد ذلك، ليثبتوا هذا الفضل لبنى إسرائيل، دون أن ينتبهوا إلى أن ذلك يعارض ما أقحموه.
وربما يقول اليهود: إن إسحاق ما وصف بأنه ( وحيد ) إلا لأنه وحيد في المحبة، وأن إسحاق كان أثيرًا لدى والده إبراهيم. وللرد على ذلك نقول بأن اللَّه وصف إسماعيل في القرآن بأنه حليم، وكان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا. وكتبهم تكذب زعمهم. وتبين أن إسماعيل كان محبوبًا لدى أبيه، أثيرًا أيضًا. فلقد توجه إبراهيم إلى ربه أن يتقبل منه دعاءه في إسماعيل، والدعاء للابن من الأب لا يصدر إلا من والد مشغوف بحب ابنه حريص عليه، وقد استجاب اللَّه دعاءه كما تقول كتبهم ( وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا اثنى عشر رئيسا يلد، وأجعله أمة بأسرها).
وإن قالوا إن محبة إبراهيم لإسحاق لأن زوجته ( سارة ) كانت أفضل عنده من زوجته ( هاجر ).. قلنا إن ذلك محض افتراء. لأن هاجر- كما ورد في أسفارهم- ظهر ملاك الرب لها وبشرها بإسماعيل وهى حبلى ( ها أنت حبلى وستلدين ابنًا ويدعى إسماعيل ).. وملاك الرب لا يظهر إلا لمن يحبهم اللَّه، والزوجة التى يحبها اللَّه لابد أن زوجها يحبها نظرًا لحب اللَّه إياها.
والقرآن الكريم يشير إلى هذه القصة في سورة الصافات حين يقول تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ . فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ . سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ . وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ}.
والملاحظ أن القرآن لم يحدد من هو الذبيح؟ هل هو إسماعيل أو إسحاق؟ ولهذا اختلف المفسرون فقال بعضهم أنه إسحاق وعلى رأس هؤلاء ( ابن جرير الطبرى ).. لكن الناظر في آيات سورة الصافات يجد أن القرآن بدأ القصة بقول الله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ}، ثم ذكر القرآن الكريم ما حدث لذلك الغلام الحليم من محاولة ذبحه وفدائه، وبعد الفراغ من القصة قال اللَّه تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} فالنسق القرآنى يقتضى أن الغلام الحليم ليس هو إسحاق لأن القرآن تحدث عن منتين امتن اللَّه


