أهمية الضبط الإعرابي لفهم القرآن الكريم
بقلم : عبد الله رجب
إن من إكرام الله تعالى وتشريفه لهذه الأمة أنه أنزل لهم القرآن الكريم باللغة العربية على رسول كريم لسانه عربي مبين . فكان الرسول صلى الله عليه وسلم أفصح العرب وأبلغهم وكانت آيته الكبرى الخالدة إلى يوم القيامة هذا القرآن . وقد تحدى الله تعالى به العرب بلغتهم وهم أرباب الفصاحة والبيان فما استطاعوا أن يقفوا أمام قوة بيانه وفصاحته . قال الله تعالى : ” قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ” سورة الإسراء الآية 88 وقال تعالى : ” وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ” سورة البقرة الآية 23 .
فكان من السهل على العرب فهم القرآن وفهم مراده ساعة نزوله لأنه نزل بلغتهم .
وقد أوضح الله تعالى فى غير موضع من القرآن الكريم أنه بلسان عربي فقال تعالى ” كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ” فصلت الآية 3 ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ” الزخرف الآية 3 ” وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ” طه 113 وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( نزل القرآن على سبعة أحرف ) أى عربية .
وقال فضيلة الشيخ محمد الخضري رحمه الله فى مقدمة كتابه ( أصول الفقه ) ” نزل القرآن بلغة العرب وبينته السنة بلغة العرب ، وكان المفتون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على تمام العلم بتلك اللغة يعرفون معانى ألفاظها وما تقضى أساليبها . وصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفتهم بالأسباب التى من أجلها كانت الشرائع أكسبتهم معرفة سر التشريع . ذلك إلى ما امتازوا به من صفاء الخاطر وحدة الذهن فلم يكونوا محتاجين إلى تعرف قواعد الإعراب والاشتقاق فكانوا إذا نزلت بهم حادثة فأرادوا معرفة حكمها فزعوا إلى كتاب الله تعالى فان لم يجدوا فزعوا إلى السنة الصحيحة فإن لم يجدوا فيها حكما اجتهدوا مراعين المصالح التى ثبت عندهم أن الشريعة راعتها .
وبعد انقضاء ذلك الزمن وجاءت بعدهم أمة اختلطت بأمم أخرى دخيلة فى العربية وذلك نظرا لاتساع الدولة الإسلامية فبعد أن كانت اللغة سليقة لهم صارت علما يتعلمونه فقيض الله عز وجل رجالا لحفظ دينه والقرآن من اللحن والخطأ فنهضوا ووضعوا قواعد لضبط لغتهم وسمى علم الضبط أو النحو فظهرت المصنفات والكتب فى قواعد الإعراب والاشتقاق .
والجدير بالذكر أن هذا فى العصور الأولى للدول الإسلامية فما بالنا الآن فى هذا العصر وقد طغت فى كلامنا لغات الأعاجم المختلفة واللهجة العامية التى أصبحت سمة حديثنا وللعلم إن هذا هدف استعماري حتى يبعدونا عن اللغة العربية التى هي الأداة اللازمة لفهم ديننا الحنيف.
فأصبح من الواجب علينا – معشر المسلمين – تعلم اللغة العربية وبخاصة قواعدها لأنها السبيل لفهمك القرآن والسنة المطهرة . قال فضيلة الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى : ( وثمرة تعلم النحو صيانة اللسان عن الخطأ فى الكلام العربي وفهم القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف فهما صحيحا اللذين هما أصل الشريعة الإسلامية وعليهما مدارها ).
ومن آثار بعدنا عن لغتنا العربية عدم فهم بعض الآيات فهما صحيحا ولا سيما إذا كان فهمها مرتبطا بالقواعد النحوية . ولكي يتضح لنا أهمية الضبط الإعرابي بالقواعد النحوية نضرب بعض الأمثلة من القرآن الكريم لتحث المسلم على تعلم النحو ..
أولا قوله تعالى .. ” أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ .. ” التوبة من الآية 3 – فلو أننا عطفنا ” رسوله ” على المشركين جرا بالكسر لأصبح المعنى أن الله برئ من المشركين وبرئ من رسوله ، وهذا اعتقاد فاسد وحاشا لله أن يبرأ من رسوله والضبط الصحيح ( رسولهُ ) رفعا بالضمة ويكون المعنى الصحيح : الله برئ من المشركين ورسوله برئ كذلك .
ثانيا قال تعالى .. ” وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ” البقرة من الآية 132 – أى أن إبراهيم وصى بنيه بالإسلام وعند العطف نتوقف لو أن يعقوب معطوف على بنيه بالنصب فهذا خطأ ولكن الضبط الصحيح ” يعقوب ” بالرفع والمعنى ويعقوب وصى بنيه كذلك مثل إبراهيم .
من تلك الأمثلة يتضح لنا أن نهتم بمعرفة القواعد النحوية وتكون اللغة العربية هى لغة تكلمنا ومعاملتنا ونعلم أولادنا كذلك التعامل باللغة العربية لأنها كما علمنا من أدوات فهم القرآن الكريم وسنة النبى محمد صلى الله عليه وسلم ..
والله أسأل أن يفقهنا


