أسئلة القراء عن الأحاديث
يجيب عليها فضيلة الشيخ أبو إسحاق الحويني
1- يسأل القارئ أحمد عبد الفتاح عبد المجيد – العياط – محافظة الجيزة قائلاً : أريد أن أعرف هيئة الخرور من الركوع إلى السجود أتكون بتقديم اليدين أم الركبتين ؟
فالجواب : أن الصواب هو أن يضع الرجل يديه على الأرض قبل ركبتيه ، وعمدتنا في ترجيح ذلك هو حديث أبي هريرة مرفوعًا : ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه ) .
أخرجه البخاريُّ في ( التاريخ الكبير ) ( 1/ 1/ 139] ، وأبو داود (840) ، والنسائيُّ ( 2/ 207) ، وأحمد ( 2/ 381) وغيرهم من طرق عن الدراورديِّ ، ثنا محمد بن عبد الله بن حسن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة . وهذا سندٌ صحيحٌ ، وأعله جماعةٌ من أهل العلم بما لا يثبت على النقد ، وليس ههنا موضوع بسط حجج الفريقين ، والمحاكمة بينهما على وجه الإنصاف ، ولكنني سأذكر أقوى علَّة أُعل بها الحديث ، وهي قول الإمام البخاري رحمه الله تعالى : ( محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه و لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا ؟ ) .
فالجواب : أن الإمام رحمه الله لم ينف السماع ، إنما نفى علمه به ، فحينئذٍ نقولُ : إن أبا الزناد كان عالم المدينة في وقته ، وشهرة ذلك لا تحتاج إلى إثبات ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن مدنيٌّ هو الآخر ، وقد وثقه النسائي وابن حبان ، ولا يعرف بتدليس قط ، وكان له من العمر قرابة الأربعين عامًا يوم مات أبو الزناد سنة (130) ، وبهذه القرائن يقطع المرء بثبوت اللقاء ، وقد أصرَّ بعضُهم في نقاش لي معه بعد هذا بعدم السماع فقلت له : أفما التقيا في المسجد النبوي قط حيث كانت حلقات العلماء ؟ أفما التقيا في صلاة قط في هذا المسجد المبارك ، ولا حتى في صلاة الجمعة ؟ فسكت وأظنه لوضوح الإلزام .
أما التفرُّد فإن مطلق التفرُّد ليس بعلةٍ ، لا سيما إذا لم يغمز المتفرد أحد بضعف ، ومناقشة هذا الأمر وحده يطول جدًّا ، وقد ذكروا أيضًا أن الدارقطني قال : إن الدراوردي واسمه عبد العزيز بن محمد تفرَّد به عن محمد بن عبد الله بن الحسن .
والجواب : أن هذا ليس بعلةٍ ، ولم يتفرد الدراوردي إلا بالتفصيل ، وإلا فقد تابعه عبد الله بن نافع الصائغ ، فرواه عن محمد بن عبد الله ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعًا : ( يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل ) .
أخرجه أبو داود ( 841) ، والنسائي ( 2/ 207) ، والترمذي ( 269) ، واليهقي ( 2/ 100) قال الترمذي : ( حديث أبي هريرة غريب ، لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه ) .
قُلْتُ : لعلَّ مقصود الترمذي أي بهذا اللفظ ، وإلا فحديث الصائغ ، إجماله يلتقي مع حديث الدراوردي . وعبد الله بن نافع الصائغ صدوق ، في حفظه بعض المقال وكتابه صحيح وروايته وإن كانت مجملة ، إلا أن تفصيلها يعود إلى رواية الدراوردي كما قلت .
وعامة المعارضين لهذا الحكم ، القائلين بتقديم الركبتين قبل اليدين مع ضعف حديث وائل بن حجر وجميع شواهده لا يعرفون كيف يبرك البعير حتى قال بعض الباحثين في جزء له حول هذا الحديث : ( وبروك البعير معروف عند الجميع ، وهو أنه يقدم يديه في البروك قبل رجليه ، فإذا قدم المصلي يديه على ركبتيه في السجود ، فقد شابه البعير في بروكه شاء أم أبى ) .
كذا قال هذا الفاضل ! ونتساءل : كيف يقدم البعير يديه قبل ركبتيه ؟ يداه موضوعتان على الأرض دائمًا ، إذ هو يمشي على أربع ، فلو كانت يداه مرفوعتان عن الأرض مثل الإنسان لساغ هذا القول ، وهذا القول بدهي جدًّا / اضطررت إلي تسطيره اضطرارًا رفعًا للمغالطة ، وحينئذ فالصواب أن يقال : إن أول ما يصل إلى الأرض من البعير إذا أراد أن يبرك : ركبتاه وليس يديه ، ولأن هذا القول ملزم أرادوا أن يتخلصوا منه فقالوا : ركبة البعير ليست في يده ، إذن فقد سلَّموا أن البعير يبرك على ركبتيه ، ولكنها ليست في يده هكذا قال ابن القيم رحمه الله وقال : ( وقولهم : ركبة البعير ليست في يده كلام لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة ) وتبعه كل من تكلم في هذا الباب ، ونحن نحكم بيننا وبينكم أهل اللغة ، ونذكر من الأحاديث الصحيحة ما يقنع به كل منصف .
أما أهل اللغة : فقال ابن سيده في ( المحكم والمحيط الأعظم ) (7/ 16) : ( وكل ذي أربع ركبتاه في يديه ، وعرقوباه في رجليه ) . وقال الأزهري في ( تهذيب اللغة ) ( 10/ 216) : ( وركبة البعير في يده ، وركبتا البعير : المفصلان اللذان يليان البطن إذا برك ، أما المفصلان الناتئان من خلف فهما العرقوبان ) وقال ابن منظور في ( لسان العرب ) ( 14/ 236) : ( وركبة البعير في يده ) وتتابعت كتب المعاجم على ذلك وفيما ذكرتُه كفاية ، فمناط الأمر حينئذ هو ( الركبة ) وليس لـ ( اليد ) – أي : يد البعير – دخلٌ بالبحث أصلاً .
أما الأحاديث الصحيحة ، فمنها ما أخرجه البخاري في ( صحيحه ) ( 7 / 239) ، وأحم


