أسئلة القراء عن الأحاديث
يجيب عليها فضيلة الشيخ : أبو إسحاق الحويني
يسأل القارئ : محمود إبراهيم يزيد – سوهاج – مركز البلينة – عن صحة هذه الأحاديث :
1 – (من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي أحدًا ، أضعف الله له أجر الصف الأول) ؟
2 – (إن للصلاة المكتوبة عند الله وزنًا ، من انتقص منها شيئًا حوسب به فيها على ما انتقص ) ؟
3 – (من غسَّل واغتسل وبكَّر وابتكر ، ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها ) ؟ وما معنى هذا الحديث ؟
4 – (من جمع مالاً حرامًا ، ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر ، وكان إصرُهُ عليه ) ؟
5 – إن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على قبرٍ فأشار إليه وقال : (ركعتان أحبُّ إلى صاحب هذا القبر من دنياكم ) ؟
فالجواب بعون الملك الوهاب :
أما الحديث الأول : فإنه باطلٌ ؛ أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط) (537) من طريق الوليد بن الفضل العنزي ، نا نوح بن أبي مريم ، عن زيد العمِّي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباسٍ مرفوعًا ، فذكره ، قال الطبرانيُّ : ( لا يُروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد ، تفرد به الوليد بن الفضل ) . اهـ .
قُلْتُ : والوليد ترجمه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (4 / 2 / 13) ، ونقل عن أبيه قال : (مجهولٌ) ، وترجمه ابنُ حبان في (المجروحين) (3 / 82) : (شيخ يروي المناكير التي لا يشكُّ من تبحَّر في هذه الصناعة أنها موضوعةٌ ، لا يجوز الاحتجاج به بحال إذا انفرد) . اهـ ، ولم يتفرد به كما قال الطبرانيُّ ، بل تابعه أصرم بن حوشب ، ثنا نوح بن أبي مريم به بلفظ : (من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي مسلمًا فقام في الصف الثاني أو الثالث ، ضاعف الله أجر الصف الأول ) .
أخرجه ابن عدي في (الكامل) (7 / 2507) ، وهذه المتابعة كسراب بقيعةٍ ، وأصرم بن حوشب أصرمٌ من الخير والفضل ، فقد كان كذابًا خبيثًا كما قال ابن معين ، وقال ابن حبان : كان يضعُ الحديث على الثقات ، وتركه البخاريُّ ومسلم والنسائيُّ ، وأيضًا في إسناده نوح بن أبي مريم ، وكان يلقَّب بـ (الجامع) ؛ لأنه جمع علومًا كثيرة ، لكنه كان يضع الحديث ويكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي وضع الأحاديث في فضائل سور القرآن ، فلما سُئل عن ذلك قال : رأيتُ الناس شغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق عن قراءة القرآن ، فوضعت هذه الأحاديث حسبة لله تعالى ! فما أشدَّ غفلته ، إذ يتقرب إلى الله تعالى بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد صدق ابن حبان إذ قال فيه : (جمع كلَّ شيء إلا الصدق) .
وفي الإسناد أيضًا : زيد العمي وهو ضعيفٌ ، وقد روى ابن حبان هذا الحديث في (المجروحين) (3 / 48 ، 49) من طريق أصرم بن حوشب بسنده سواء ، ثم قال : ( وأصرم بن حوشب وزيد العمي قد تبرأنا من عهدتهما) . فالسند في غاية السقوط ، ثم معناه منكرٌ ؛ لأنه يخالف الأحاديث الصحيحة التي ترغب في الصف الأول ، حتى لو وصل الأمر إلى إجراء القرعة : من يظفر بالفرجة في الصف الأول ؟ فأخرج البخاريُّ (2 / 208) عن أبي هريرة مرفوعًا : (ولو يعلمون ما في الصفِّ المقدَّم لاستهموا) . قال الحافظ في (الفتح) : (والصف المقدم : هو الذي لا يتقدمه إلا الإمام) . وهو عند مسلم ، وفي لفظ لمسلم (439) : (لو يعلمون ما في الصف المقدَّم لكانت قرعة ) .
وأخرج مسلمٌ (440) ، وغيرُه عن أبي هريرة مرفوعًا : ( خير صفوف الرجال أوَّلُها ..) الحديث . وأخرج مسلم (438 / 130) ، والنسائي (2 / 83) ، وابن خزيمة (156) عن أبي سعيد الخدري قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرًا فقال لهم : (تقدموا فأئتموا بي ، وليأتم بكم من بعدكم ، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) . وبوَّب عليه ابن خزيمة قوله : (باب التغليظ في التخلف عن الصف الأول ) . والأحاديث في هذا الباب كثيرة . والله أعلمُ .
أمَّا الحديث الثاني : ( إن للصلاة المكتوبة.. ) فهو حديثٌ موضوع ، أخرجه الأصبهاني في (الترغيب) (1892) من حديث عائشة ، رضي الله عنها ، وفي إسناده أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، وهو هالك البتة . قال أحمد : (كان يضع الحديث) ، وكذلك قال ابن حبان ، وابن عدي ، وتركه النسائيُّ . وقال البخاريُّ : (منكر الحديث) ، وهو جرحٌ شديدٌ عنده ، والحديث ضعّفه المنذري في (الترغيب) (رقم 742) فصدَّره بقوله : (روي) ، كما هو مصطلحه في (كتابه) ، وكان حقه أن يُحذف من الكتاب ، فأمثال هذه الأحاديث لا خير فيها ولا فائدة من نشرها . والله أعلم .
أمَّا الحديث الثالث : (من غسَّل واغتسل…) فهو حديث صحيحٌ .
أخرجه أبو داود (2 / 10 ، 11) ، والنسائيُّ في (المجتبي) (3 / 95 ، 96) ، وفي (كتاب الجمعة) (31) ، والترمذيُّ (3 / 3 ، 4) ، وقال : (حديثٌ حسنٌ ) ، وابنُ ماجه (1 / 377 ، 378) ، والدارميُّ (1 / 302) ، وأحمد في (المسند) (4 / 8 ، 9 ، 10 ، 104) وآخرون من حد


