باب السنة
بقلم الرئيس العام / محمد صفوت نور الدين
من أحكام البيع
أخرج البخاري ومسلم في ( صحيحهما ) عن حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا – أو قال : حتى يتفرقا – فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) .
وفي رواية : ( أو يقول لصاحبه : اختر ) .
وقد أخرجا الحديث أيضًا عن ابن عمر ، رضي الله عنهما .
وأخرجه أحمد كذلك عن أبي هريرة وسمرة بن جندب ، وأبي برزة الأسلمي ، كما جاء الحديث عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهم أجمعين .
وحلقة هذا العدد في مقدمات للكلام عن أثر الاعتقاد في العمل ، ثم عن عمل أهل الإسلام بأحكامه ، وغربة الإسلام بين أهله ، وأثر ذلك عليهم سعادة وشقاوة ، ثم عن أطيب المكاسب .
عقيدة تقود السلوك كله :
روى البخاري عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : إنما نزل أول ما نزل من القرآن من سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر ، لقالوا : لا ندع الخمر أبدًا ، ولو نزل : لا تزنوا ، لقالوا : لا ندع الزنا أبدًا ، لقد نزل بمكة على محمد – صلى الله عليه وسلم – وإني لجارية ألعب : ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرّ ) [ القمر : 46] ، وما نزلت سورة ( البقرة ) و ( النساء ) إلا وأنا عنده .
فانظر – رعاك الله تعالى – ترى أن الإسلام ربط أوامره بالاعتقاد في الجنة والنار ، فحكم الأسواق بقوله : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ(1)الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ(2)وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(3)أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ(4)لِيَوْمٍ عَظِيمٍ(5)يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين ) [ المطففين : 1 – 6] .
ومن ذلك ما جاء في حديثنا اليوم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) .
وكذلك حديث جابر مرفوعًا : ( رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع ، وإذا اشترى ، وإذا اقتضى ) ، وكذلك قول الله سبحانه : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(278)فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [ البقرة : 278، 279] ، بل وجاء حكم البيوت أيضًا باعتقاد صحيح ، فتسعد البيوت بتلك الأحكام في مثل قوله تعالى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) [ البقرة : 223] ، وقوله : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) [ البقرة : 232] .
ومن ذلك ما ذكره في سورة ( النساء ) من قوله : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ – حتى قال سبحانه – تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13)وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) [ النساء : 11 – 14] .
ويتواصل في شرع الله الحكيم أن تحكم العقيدة الصحيحة الأسواق والبيوت والطرقات وسائر حياة الخلق وأماكن عيشهم وأعمالهم ، حتى البول والغائط ؛ لحديث أبي داود عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الملاعن الثلاث ، البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، والظل ) .
ومعاملة الرجل لضيفه وجاره ، وحفظه للسانه : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ) . [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
الإسلام صلاح الدنيا والآخرة :
دخل الإسلام على الناس بعقيدة توافق الفطرة ، فلما اعتنقوه ودانوا له ، دخل بين الرجل وزوجه ، فجعل الجنة للمرأة إذا أسعدت زوجها في مثل حديث : ( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ) .
وحذرها بحديث : ( إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح ) .
وكذلك تسعد المرأة


