الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

رئيس التحرير
مصطفي خليل أبو المعاطي

الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1447 26-11-2025

آفة العلم الهوى

أحدث الأخبار

مقالات متنوعة

موضوع العدد – الحلقة الأولى -‏
آفة العلم : الهوى
بقلم الشيخ / سليمان بن عبد الله الماجد

( القاضي برئاسة مجمع محاكم الإحساء بالمملكة العربية السعودية )‏
ليس كالهوى أولى بوصف ( المرض الخبيث ) فإذا كانت ( الأورام المستعصية ) ‏وصفت بذلك لكونها تنمو في جسد المصاب دون ظهور أية أعراض ، حتى إذا ‏
تمكنت وصعب علاجها ظهرت علاماتها وأعراضها ؛ فإن الهوى يذهب بصاحبه ‏إلى ما هو أخطر من ذلك ، وهو غفلته من مرضه ، حتى بعد ظهور أعراضه واضحة ‏أمام الخلق في صور أقلها قسماتُ الوجه وفلتاتُ اللسان .‏
فصاحب هذا الهوى لم يُرَعْ برجفة الموت من حُشاشة خاطرة مؤمنة كانت تجول في ‏صدره كمحتسب تأمره وتنهاه وتحفظه من غيه وترعاه ، خنقت بأبخرة الشهوات ‏وأدخنة الملذات صار القلبُ بعد موت هذه الخاطرة عرصاتٍ موحشةً إلا من نعيق ‏خاطر الفحشاء وهاجس المنكر ، لم يكتف المسكين بموتها حتى آلت به الحال إلى ‏انطماس بصره وعمى بصيرته عن شنائع من القول والفعل يرتكبها بمرأى من الخلق ‏في سكرة الهوى وسَورة الشهوة غير عابئ بتغامز الأعداء الشامتين وإطراقة الخجل ‏المُمِضٍّ من الأصدقاء المشفقين ؛ فقد سرى بصاحبه في فنون ، وأخرجه من دار العقل ‏إلى دائرة الجنون .‏
‏( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ ‏عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُون ) [ الجاثية : 23] .‏
وقال الشاعر الحكيم :‏
إذا ما رأيت المرء يقتاده الهوى
فقد ثكِلتْه عند ذلك ثواكله ‏
وقد أشمت الأعداء جهلاً بنفسه ‏
وقد وجدتْ فيه مقالاً عواذله
وما يردعُ النفس الحرون عن الهوى
من الناس إلا حازمُ الرأي كاملة
فثماره مرة في الدنيا والآخرة ؛ فما انتشرت أهواء النفوس في أمةٍ من الأمم إلا ‏كانت سببًا لفنائها وذهاب ريحها وقوتها .‏
‎ ·‎‏ كيف نتقي الهوى ؟‏
حين ترى أن العقلاء يتفقون على أن إسلام القيادة للهوى هو طريق هلاك الفرد ‏وذهاب الأمة ؛ إلا أن صاحبه في غمرته يحجب عن الحذر من أسبابه ومعرفة ‏أعراضه وخوف عواقبه ؛ فيبدو لنفسه أنه من أبعد الناس عن الهوى ، وتصبح ‏قضيةُ التجرد من سلطانه دعوى كل إنسان وشعار كل أحد أدى ذلك إلى فرح كل ذي ‏رأي برأيه ، والإعراض كلية عن المخالفين ؛ فينسبهم إلى الخطأ إن لم يرمهم بدائه ‏‏؛ داء الهوى .‏
وليس ثمت عاقل يرضى أن يكون بمكان هذا المدعى ، ولكنه يسأل بلهفة ، ويبحث ‏بلوعة عن وسائل تقيه شر هذا المرض ، ويحذر منه إن أصيب به ليسرع العلاج .‏
وإنما تكون محاربته والوقاية من شره بتحقيق مقاماتٍ ستْ :‏
‎ ·‎‏ الأول : معرفة خطر الهوى في الكتاب والسنة .‏
‎ ·‎‏ الثاني : معرفة حقيقة الهوى .‏
‎ ·‎‏ الثالث : معرفة طبيعة النفس وحاجتها إلى السلامة .‏
‎ ·‎‏ الرابع : معرفة مظان الخطر .‏
‎ ·‎‏ الخامس : معرفة العلامات .‏
‎ ·‎‏ السادس : الاستجابة للنذر والمبادرة إلى العلاج .‏
وهذا هو تفصيل مقامات محاربة الهوى :‏
‎ ·‎‏ الأول : معرفة خطر الهوى في الكتاب والسنة :‏
وقد جاءت في ذلك نصوص كثيرة منها :‏
قول الله تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ ‏وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُون ) [ الجاثية : ‏‏23] ، وقوله تعالى : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ) [ القصص : ‏‏50] ؛ أي لا أحد أضل منه ، وقول الله تعالى : ( يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ‏الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ ‏سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [ ص : 26] ؛ فقد وعظ الله نبيه داود ‏‏، عليه السلام ، بالحكم بالحق ، والحذر من اتباع الهوى ، وقول الله تعالى : ( ‏فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37)وَءَاثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(38)فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى(39)وَأَمَّا مَنْ ‏خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40)‏
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) [ النازعات : 37 0 41] ، وقول الله تعالى : ( وَلَوِ اتَّبَعَ ‏الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ) [ المؤمنون : 71] ، وقول الله ‏تعالى : ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) [ ‏محمد : 14] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( … وثلاث مهلكات : هوى متبع ، ‏وشح مُطاع ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ) .‏
‎ ·‎‏ الثاني : معرفة حقيقة ال

أخبار متعلقة

اترك رد

من فضلك أدخل تعليقك!
يرجى إدخال اسمك هنا